محادثات جدة.. محاولات لترميم العلاقات الأمريكية - الأوكرانية وإنهاء الحرب

انطلقت في مدينة جدة السعودية محادثات أمريكية - أوكرانية حاسمة تهدف إلى إعادة بناء العلاقات بين البلدين، ووضع إطار لاتفاقية سلام يمكن أن تنهي الحرب المستمرة مع روسيا منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وتأتي هذه المحادثات في ظل جهود دبلوماسية مكثفة تقودها المملكة العربية السعودية، حيث التقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، واصفًا اللقاء بـ"المتميز"، ومشيدًا بالدور الذي تلعبه الرياض في دعم فرص تحقيق سلام شامل.
مشاركة دبلوماسية رفيعة المستوى
شهدت الاجتماعات حضور وفدين أمريكي وأوكراني على طاولة الحوار، بوساطة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ومستشار الأمن الوطني السعودي مساعد العيبان، في خطوة تعكس تصاعد الدور السعودي في حل النزاعات الدولية.
وأعرب رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية، أندري يرماك، عن تفاؤله ببدء المباحثات، مشيرًا إلى أنها "انطلقت بشكل بناء للغاية"، وأن الهدف الأساسي هو تحقيق سلام عادل ومستدام.
استعادة الثقة بين واشنطن وكييف
يؤكد الخبراء أن هذه اللقاءات لا تقتصر فقط على إنهاء الحرب، بل تشمل أيضًا إعادة ترميم العلاقات الأمريكية - الأوكرانية، التي شهدت توترات ملحوظة في الأشهر الأخيرة.
وبحسب المستشار العسكري السابق في الخارجية الأمريكية، عباس داهوك، فإن هذه الاجتماعات توفر فرصة حاسمة لتوضيح الالتباسات وتوحيد الأولويات الاستراتيجية بين الطرفين، خصوصًا بعد اللقاء المتوتر بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وزيلينسكي في فبراير الماضي، والذي شهد خلافات علنية حول مسألة المعادن النادرة، مما أدى إلى إلغاء المؤتمر الصحفي المشترك حينها.
ويؤكد داهوك أن نجاح المحادثات يعتمد على مدى قدرة الطرفين على معالجة الإحباطات المتعلقة بتأخير المساعدات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتغيرات السياسية داخل واشنطن.
عوامل نجاح الاتفاق الدبلوماسي: العقبات والتحديات
1. مدى استعداد روسيا للتفاوض
يبقى السؤال الأهم: هل ستقبل موسكو بأي تسوية قد تنتج عن هذه المباحثات؟ فنجاح الجهود الدبلوماسية يعتمد إلى حد كبير على استعداد روسيا للتفاوض حول استعادة الأراضي التي تحتلها، وهو أمر لم تظهر فيه موسكو أي مرونة حتى الآن.
2. مستقبل العلاقة بين أوكرانيا وحلف الناتو
من النقاط الرئيسية التي تناقشها أوكرانيا في هذه المحادثات هي علاقتها المستقبلية مع أوروبا وحلف الناتو. فقد شددت كييف على رغبتها في تعزيز اندماجها مع الغرب، وهو أمر تعتبره روسيا تهديدًا مباشرًا لمجال نفوذها الجيوسياسي.
السعودية كوسيط دبلوماسي رئيسي
يبدو أن الرياض أصبحت ساحة مركزية للجهود الدبلوماسية الدولية، حيث لم تقتصر جهودها على المباحثات الأوكرانية - الأمريكية، بل استضافت سابقًا محادثات أمريكية - روسية في فبراير الماضي، والتي أسفرت عن بعض الاختراقات الدبلوماسية المهمة، مثل إعادة موظفي البعثتين الدبلوماسيتين وتعزيز التعاون الاقتصادي بين موسكو وواشنطن.
وفي هذا السياق، أكد زيلينسكي على الدور الإيجابي للسعودية، مشيرًا إلى أنها توفر منصة دبلوماسية ذات أهمية كبيرة، ومؤكدًا أن المناقشات مع ولي العهد السعودي شملت مسائل أساسية مثل إطلاق سراح الأسرى وإعادة الأطفال الأوكرانيين المحتجزين في روسيا.
هل تنجح محادثات جدة في تحقيق اختراق دبلوماسي؟
مع استمرار الحرب وتزايد التعقيدات السياسية، تبقى محادثات جدة فرصة نادرة لتحقيق تقدم دبلوماسي حقيقي. ولكن نجاحها يعتمد على إرادة الأطراف الرئيسية، وخصوصًا مدى مرونة روسيا في التعامل مع مطالب أوكرانيا.
وفي ظل التغيرات السياسية في واشنطن، والتوترات في أوروبا، والضغوط الاقتصادية على موسكو، قد تشكل هذه المحادثات بداية لمسار تفاوضي جديد، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل ستقبل جميع الأطراف بتقديم التنازلات اللازمة لإنهاء الحرب؟.