بعد التقارب الاستخباراتي.. هل يقترب اتفاق التهدئة بين واشنطن وموسكو؟

وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية، أعلن جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية عن اتصال هاتفي بين رئيسه، سيرجي ناريشكين، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، جون راتكليف، لمناقشة قضايا ذات اهتمام مشترك. يأتي هذا التواصل في أعقاب محادثات أمريكية-أوكرانية استضافتها مدينة جدة السعودية، حيث أعربت كييف عن استعدادها لقبول وقف إطلاق نار لمدة 30 يوماً، إذا وافقت روسيا على ذلك.
اتصال استخباراتي لتعزيز الاستقرار
في بيان رسمي صدر الأربعاء، أفادت الاستخبارات الروسية بأنه تم الاتفاق على "الحفاظ على اتصالات منتظمة" بين مديري الاستخبارات الروسية والأمريكية، بهدف الإسهام في تحقيق الاستقرار والأمن الدوليين، إضافة إلى تخفيف حدة التوتر بين موسكو وواشنطن. كما ناقش الطرفان قضايا التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وسبل تسوية الأزمات الإقليمية والدولية.
هذا الاتصال، الذي يعكس استمرار قنوات التواصل بين موسكو وواشنطن على المستوى الاستخباراتي، جاء بعد تعيين جون راتكليف في منصب مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية في يناير الماضي، وهو ما دفع ناريشكين إلى إبداء استعداده للقاء نظيره الأمريكي في وقت سابق.
محادثات جدة.. خطوة نحو التهدئة
بالتزامن مع الاتصال الاستخباراتي، شهدت مدينة جدة محادثات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، أسفرت عن إعلان مشترك أكدت فيه كييف استعدادها لقبول مقترح أمريكي بوقف إطلاق نار مؤقت لمدة 30 يوماً، مع إمكانية تمديده إذا التزمت روسيا به.
وأشار البيان إلى أن الولايات المتحدة ستتولى نقل هذا المقترح إلى الجانب الروسي، مؤكدة أن "المعاملة بالمثل من قبل موسكو ستكون مفتاح تحقيق السلام".
كما تم الاتفاق على تشكيل فرق تفاوض خاصة بين الجانبين، لبدء مفاوضات تهدف إلى التوصل إلى حل طويل الأمد يضمن أمن أوكرانيا. وشدد الوفد الأوكراني على ضرورة إشراك الشركاء الأوروبيين في عملية السلام، فيما تعهدت واشنطن بمناقشة هذه المقترحات مع موسكو.
بين المسار الاستخباراتي والتفاوضي، يبدو أن هناك محاولة لإعادة فتح قنوات الحوار بين القوى الكبرى، في ظل تعقيد المشهد الدولي واستمرار النزاع في أوكرانيا. فبينما يعكس الاتصال بين ناريشكين وراتكليف رغبة في ضبط التوترات، تأتي محادثات جدة كمحاولة أمريكية لجس نبض موسكو بشأن إمكانية وقف إطلاق النار.
تقارب محتمل
تشير التقارير الواردة إلى أن استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة بناء العلاقات مع روسيا قد تترتب عليها تداعيات أمنية معقدة، من أبرزها توسيع نطاق العمليات الاستخباراتية الروسية داخل الولايات المتحدة. ووفقًا لدبلوماسيين مطلعين، فإن هذا النهج قد يمنح روسيا فرصة لإعادة تشكيل شبكات تجسسها، من خلال إرسال عملاء بغطاء دبلوماسي لتعزيز أنشطتها الاستخباراتية.
ويحذر خبراء من أن تفكيك ترامب لبعض أجهزة العمل الفيدرالي قد يؤدي إلى إضعاف قدرات الاستخبارات الأمريكية، وهو ما قد يمنح موسكو هامشًا أكبر للمناورة والتوسع في أنشطتها التجسسية داخل الأراضي الأمريكية. كما أن التحولات في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بتراجع الدعم المقدم لأوكرانيا، أثارت قلق الدول الأوروبية التي ترى في ذلك تهديدًا مباشرًا لاستقرار القارة وتوازن القوى بين الغرب وروسيا.
في ظل هذه التطورات، يتوقع أن يشهد العالم لقاءً مرتقبًا بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، رغم عدم تحديد موعد ومكان انعقاده حتى الآن. ويرجح أن يكون لهذا اللقاء تأثير كبير على مستقبل العلاقات الثنائية، فضلًا عن إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي، خصوصًا في ما يتعلق بمواقف الولايات المتحدة تجاه حلفائها التقليديين في أوروبا.