توتر متزايد بين بكين والاتحاد الأوروبي.. الرئيس الصيني يرفض حضور قمة بروكسل

في خطوة تعكس التوترات المتزايدة بين الصين والاتحاد الأوروبي، رفض الرئيس الصيني شي جين بينج دعوة لحضور قمة في بروكسل، والتي كانت تهدف إلى الاحتفال بالذكرى الخمسين للعلاقات الثنائية بين الطرفين. وبدلًا من ذلك، أبلغت بكين مسؤولي الاتحاد الأوروبي بأن رئيس مجلس الدولة، لي تشيانج، سيمثل الصين في القمة، وهو ما اعتبره الاتحاد دليلًا على تراجع اهتمام بكين بتعزيز التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.
يأتي هذا الرفض في وقت يشكك فيه الاتحاد الأوروبي في جدية المبادرات الصينية الأخيرة، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات التجارية والنزاعات الجيوسياسية. وتشير التقارير إلى أن المحادثات لا تزال مستمرة، لكن الرفض الأولي لشي عزز من قناعة بروكسل بأن الصين لا تنوي تحويل تصريحاتها الدافئة حول التعاون إلى إجراءات ملموسة.
التوترات التجارية وتصاعد الخلافات
تشهد العلاقة بين بكين وبروكسل توترًا متزايدًا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، حيث يتهم الاتحاد الأوروبي الصين بدعم موسكو بشكل غير مباشر. كما أن السياسات الاقتصادية الصينية، بما في ذلك الدعم الحكومي للقطاعات الصناعية، شكلت محور خلاف رئيسي بين الطرفين. في هذا السياق، فرض الاتحاد الأوروبي رسومًا جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، بحجة أنها تحصل على دعم غير عادل من الحكومة الصينية، وهو ما أثار غضب بكين ودفعها إلى فرض قيود على دخول بعض المنتجات الأوروبية إلى السوق الصينية.
وفقًا لمسؤولين أوروبيين، فإن العجز التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين بلغ 304.5 مليار يورو العام الماضي، مما يثير استياء الأوروبيين الذين يرون أن الصين لا تبذل جهدًا كافيًا لإعادة التوازن التجاري. ويتهم الاتحاد الأوروبي بكين بوضع حواجز أمام الشركات الأجنبية، مما يعيق المنافسة العادلة داخل ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
خلاف سياسي
أشار دبلوماسي أوروبي رفيع إلى أن العلاقة بين الصين والاتحاد الأوروبي مجمدة، رغم تغيير النبرة الصينية تجاه أوروبا. فرغم أن بكين تتحدث بنبرة تصالحية عن التعاون والتوازن في العلاقات، إلا أن السياسات الصينية الأساسية تجاه أوروبا لم تتغير.
في هذا السياق، يلعب لو شا يه، الممثل الخاص لبكين للشؤون الأوروبية، دورًا محوريًا في إدارة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، لكن أسلوبه الدبلوماسي الحاد، الذي أكسبه لقب "المحارب الذئب"، يعكس اتجاها أكثر تشددًا في السياسة الصينية تجاه أوروبا. في السابق، أثار لو جدلًا واسعًا عندما شكك في تبعية شبه جزيرة القرم لأوكرانيا، وطرح تساؤلات حول سيادة جمهوريات سوفيتية سابقة مثل لاتفيا وإستونيا وليتوانيا، مما زاد من حساسية العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
محاولات لتقليل المخاطر
في ظل هذا التصعيد، تحاول بروكسل إيجاد توازن بين الحفاظ على علاقتها مع الصين واتخاذ تدابير لحماية صناعاتها. في فبراير الماضي، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي سيواصل "تقليل المخاطر" عبر حماية قطاعاته الصناعية واتخاذ تدابير لمنع تدفق المنتجات الصينية المدعومة.
في هذا الإطار، فرض الاتحاد الأوروبي إجراءات لمكافحة الإغراق ضد بعض المنتجات الصينية، وفتح تحقيقًا جديدًا حول إغراق السوق الأوروبية بحمض الأديبيك، وهو مركب يستخدم في صناعة النايلون. يُعد هذا التحقيق الحادي عشر من نوعه منذ أكتوبر الماضي، مما يعكس تصعيدًا مستمرًا في الإجراءات الأوروبية ضد المنتجات الصينية.
صراع مصالح أم فرص تعاون؟
رغم التوترات المتصاعدة، هناك محاولات أوروبية لإعادة بناء الجسور مع الصين. ومن المقرر أن يزور ماروش شيفتشوفيتش، مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي، الصين في نهاية الشهر الحالي، في محاولة لبحث آفاق التعاون الاقتصادي وتقليل التوترات التجارية. كما صرّح وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، بأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يبحث أيضًا عن الفرص الممكنة في التعاون مع الصين، بدلاً من التركيز فقط على الخلافات.
هل يتجه الاتحاد الأوروبي والصين إلى مزيد من التصعيد؟
رفض الرئيس الصيني شي جين بينج حضور قمة بروكسل يؤكد استمرار الفجوة بين الجانبين، في وقت تتصاعد فيه التوترات بشأن السياسات التجارية، والعلاقات مع روسيا، والتنافس الاقتصادي. وبينما يحاول الاتحاد الأوروبي تحقيق توازن بين التعاون الاقتصادي واتخاذ تدابير دفاعية ضد السياسات الصينية، تبدو بكين متمسكة بنهجها الحالي، رغم تغيير نبرة خطابها الدبلوماسي.