الجزائر وفرنسا.. مواجهة تاريخية بين الاستعمار والمصالحة
أثار رد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، للمرة الثانية في أقل من أسبوعين على نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تساؤلات حول التحركات المقبلة للجزائر بشأن الخلافات التاريخية بين البلدين. جاء ذلك بعد إدانته للأطراف الفرنسية التي تعرقل ملف الذاكرة، مما يعكس رغبة الجزائر في إعادة إحياء مقترح برلماني يهدف إلى تجريم الاستعمار.
في رسالة بمناسبة إحياء ذكرى مجازر 17 أكتوبر 1961، التي استهدفت العمال الجزائريين في فرنسا خلال فترة الاحتلال، أدان تبون مجددًا الأطراف الفرنسية المعرقلة لحل قضية الذاكرة. ومع مرور 63 عامًا على تلك المجازر، تتزايد الهجمات من اليمين المتطرف في فرنسا ضد أي تقارب مع الجزائر، ما يجعل الأجواء أكثر توترًا.
ماكرون: دعوة لطي الصفحة
في المقابل، دعا ماكرون إلى "طي الصفحة" خلال تغريدة له بمناسبة ذكرى المجازر، مشيرًا إلى أن "فرنسا تتذكر القتلى والجرحى". هذه الدعوة تعكس موقفًا رسميًا يرفض الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي، ويعتبر أن الوقت قد حان للمضي قدمًا بدلًا من الاستمرار في مناقشة الماضي.
وعلى الرغم من تشكيل لجنة مشتركة بين البلدين تضم مؤرخين للعمل على مسألة الذاكرة بعيدًا عن السياسة، فإن الجزائر قررت تعليق مشاركتها في هذه اللجنة بسبب ما وصفته بـ "تقاعس" الجانب الفرنسي عن الاعتراف بمسؤوليته عن العمليات العنيفة التي مارسها نظام الاستعمار ضد الجزائريين.
دعوات لتجريم الاستعمار
في ظل هذه التوترات، طالبت المحامية الجزائرية فاطمة الزهراء بن براهم ببعث مشروع قانون لتجريم الاستعمار. وأشارت إلى ضرورة تخصيص موارد إضافية لتوثيق الجرائم الفرنسية أثناء الاحتلال. وذكّرت بأن مقترح تجريم الاستعمار كان قد طُرح قبل نحو 20 عامًا ردًا على قانون فرنسي صادر في عام 2005، والذي اعتُبر تمييزيًا في حق الشعب الجزائري.
وأضافت بن براهم أن هناك العديد من العراقيل التي تضعها فرنسا، مثل القيود على الوصول إلى الوثائق المتعلقة بالتجارب النووية والجرائم التي ارتُكبت في 17 أكتوبر 1961. هذه التحديات تجعل من الصعب على الجزائر استكمال جهودها لتسليط الضوء على ماضي الاستعمار.
تنديد بالاحتلال
من جانبها، أكدت بن براهم أن مذكرات وشهادات الضباط الفرنسيين خلال فترة الاحتلال توفر أدلة على الأفعال الفظيعة المرتكبة من قبل الجيش الفرنسي. واعتبرت أن هذه الأعمال كانت دائمًا مدعومة بغطاء قانوني وسياسي من الحكومات الفرنسية المتعاقبة، مما يزيد من تعقيد العلاقات بين البلدين.
تتجه الأنظار الآن إلى كيفية استجابة الجزائر لهذه التحديات، وما إذا كانت ستستمر في الضغط على فرنسا للاعتراف بماضيها الاستعماري. الأوضاع الحالية قد تشير إلى أن الجزائر ليست في عجلة من أمرها لتسوية القضايا العالقة، بل يبدو أنها مستعدة لمواجهة فرنسا في الساحة الدولية، مع التركيز على تعزيز هويتها الوطنية وتاريخها.