اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون مدير التحرير التنفيذي محمد سلامة

موضوع خطبة الجمعة اليوم.. الطفولة بناء وأمل

خطبة الجمعة
خطبة الجمعة

الحمد لله العزيز الحميد، القوي المجيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من نطق بها ففاز بالنجاة في الدنيا والآخرة، وهو مَن هدى العقول بحكمته، ووسّع الخلائق بنعمته، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ورسله، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، شَرَحَ صدره، ورفع قدره، وشرفنا به، وجعلنا أُمَّتَهُ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الأحبة في الله، إن الطفولة هي أجمل ما في الوجود، وهي المرحلة الأولى في حياة الإنسان، حيث تتشكل شخصية الفرد وتبدأ ملامح الحياة التي سيعيشها. الطفولة هي النبع الحقيقي للحب والحنان في حياة الإنسان، وهي المرحلة الأجمل في عمر الإنسان، إذ تمثل أسس الشخصية التي ستنمو وتكبر مع مرور الزمن.

إن الأطفال هم نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل التي لا تُعد ولا تُحصى، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (إبراهيم: 34). وفي ابتسامتهم تكمن البراءة، وفي تعاملهم يظهر الطهر والنقاء، وحديثهم دائمًا ما يحمل البراءة والصدق، ومشاعرهم دائمًا صافية ونقية. هم كزهور الربيع، يعيشون في عالم من الجمال والبهجة.

أيها الإخوة الكرام، إذا كان واجبنا في هذا الزمن هو بناء إنسان متعلم، قادر على مواجهة تحديات الحياة والإنجاز، فإن الطريق إلى هذا البناء يبدأ من الطفولة. فبمقدار ما تتشكل شخصية الطفل في صغره، ينعكس ذلك على سلوكه وحياته فيما بعد. لذلك، من الضروري أن نولي الطفولة الاهتمام الكبير في كل جوانبها، وأن نسعى جاهدين لتوفير بيئة تربوية سليمة تساعد الطفل على النمو النفسي والعقلي والاجتماعي بشكل سليم.

إننا في حاجة إلى مجتمع يهتم بأطفالنا ويسعى لبناء شخصياتهم. ومن الواجب على كل أب وأم أن يسارعوا إلى تقديم كل أشكال الرعاية والعناية لأطفالهم، سواء من حيث التربية أو الترفيه أو التعليم، ليعيشوا حياة مليئة بالسعادة والتفاؤل والأمل.

أيها الأحبة، إن من أروع ما نتعلمه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هو تعامله الرقيق مع الأطفال. فقد كان صلى الله عليه وسلم يُظهر الرحمة والحنان لأطفاله وأحفاده. وها هو صلى الله عليه وسلم عندما كان في منبره الشريف، يقطع خطبته ليتفقد حفيديه، الحسن والحسين رضي الله عنهما، عندما تعثرا أثناء اللعب. وهذه صورة من صور الرحمة النبوية التي ينبغي أن نحتذي بها في تعاملنا مع الأطفال.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا، نعلم أنه كان يخفف من صلاته إذا بكى طفل صغير، بل وكان صلى الله عليه وسلم يتوقف عن الصلاة ليُسَرَّ بخاطر الطفل ويبذل له كل الرعاية والاهتمام. وقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح الأطفال ويؤنسهم، مثلما فعل مع "أبا عمير" وهو طفل صغير فقد عصفوره، فكان صلى الله عليه وسلم يخفف عنه الحزن ويسأله برفق: "يا أبا عمير، ما فعل النغير؟".

إن هذه المواقف النبوية تبرز لنا أهمية الرقة والرحمة في التعامل مع الأطفال. ولذلك، يجب أن نتساءل: هل أصبحنا نحن اليوم، في زماننا هذا، نُعامل أطفالنا بنفس هذه الرحمة والرقة؟ هل نأخذ وقتًا للاستماع إلى تطلعاتهم وأحلامهم؟ هل نعيش معهم آلامهم ونواسيهم كما كان يفعل نبينا الكريم؟

أيها الأحبة، إن الأطفال هم أمل الأمة ومستقبلها. فإذا أردنا أن نبني مجتمعًا قويًا قادرًا على مواجهة تحديات المستقبل، يجب أن نبدأ ببناء الأطفال على أسس صحيحة من العلم والإيمان والخلق الكريم. فالأطفال هم الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها بناء الأمة في المستقبل. ويجب أن نحرص على تزويدهم بالقيم النبيلة وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.

ويجب أن نُحسن معاملة أطفالنا، وأن نغرس في قلوبهم قيم الدين، ونعلمهم كيف يتعاملون مع الحياة بنجاح وابتكار. فكل طفل يحمل في داخله بذرة من الإبداع والذكاء، ويجب أن نوفر له البيئة المناسبة لتزدهر هذه البذرة وتصبح شجرة عظيمة في المستقبل.

أيها الإخوة الأفاضل، إن من أسوأ ما يمكن أن يعانيه الطفل هو قسوة المعاملة أو إهماله في ظل مشاغل الحياة المتسارعة. فكل لحظة من لحظات الطفولة هي فرصة لنا لبناء شخصية قوية لأطفالنا. إذا أهملنا هذه اللحظات، فإننا نعرض أطفالنا للمخاطر والسلبيات التي قد تؤثر في حياتهم المستقبلية.

وها هنا يأتي دورنا كآباء وأمهات، ومدرسين وأفراد في المجتمع. علينا أن نُحسن تعليم أطفالنا، وأن نوجههم نحو القيم السامية، وأن نغرس فيهم حب العلم، وحب الله ورسوله، وأن نساعدهم على التفوق والابتكار في مختلف المجالات.

أيها الأحبة، في هذه الأيام التي تزداد فيها تأثيرات التكنولوجيا والمحتوى غير المناسب للأطفال، من واجبنا أن نحرص على توجيه أطفالنا إلى ما ينفعهم، وأن نُبعدهم عن الأفكار المدمرة والمحتوى الضار الذي يهدد أفكارهم وعقولهم.

إنها مسؤولية عظيمة تقع على عاتقنا جميعًا، مسؤولية بناء أطفالنا وتوجيههم بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالخير والنماء. فلنكن جميعًا يدًا واحدة من أجل بناء هذا المستقبل المشرق.

نسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أطفالنا، وأن يوفقنا إلى تربيتهم تربية صالحة. اللهم اجعلهم قرة أعين لنا، ووفقهم لما تحب وترضى، وأن يجعلهم من دعاة الخير والصلاح.

موضوعات متعلقة