اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

خبير سياسي: اعتقال رئيس بلدية إسطنبول خطوة محسوبة في لعبة السلطة التركية

الدكتور إدريس آيات المتخصص في العلوم السياسية
الدكتور إدريس آيات المتخصص في العلوم السياسية

في خطوة مثيرة للجدل، اعتقلت السلطات التركية رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، في 19 مارس 2025، بتهم تتعلق بالفساد ودعم منظمة إرهابية. يأتي هذا التحرك في توقيت حساس، إذ كان من المتوقع أن يكون إمام أوغلو المرشح الأبرز لحزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2028. إلا أن الاعتقال لم يكن الإجراء الوحيد الذي استهدفه، إذ ألغت جامعة إسطنبول شهادته الجامعية، مما قد يمنعه دستوريًا من الترشح للرئاسة، حيث يشترط الدستور التركي حصول المرشح على شهادة جامعية.
حملة الاعتقالات لم تقتصر على إمام أوغلو وحده، بل شملت أكثر من 100 شخصية سياسية، من بينهم مساعدوه ورؤساء بلديات في إسطنبول، مما دفع حزب الشعب الجمهوري إلى وصف ما يجري بأنه "انقلاب مدني" يستهدف تصفية المعارضة وإحكام قبضة السلطة. وقد أشعلت هذه الإجراءات موجة احتجاجات واسعة في إسطنبول ومدن تركية أخرى، دفعت الحكومة إلى فرض حظر على المظاهرات لمدة أربعة أيام، وسط انتشار أمني مكثف، وقيود مشددة على منصات التواصل الاجتماعي مثل إكس وإنستغرام، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي المتصاعد.
الاضطرابات السياسية انعكست على الوضع الاقتصادي، حيث شهدت الليرة التركية انخفاضًا قياسيًا، لتصل إلى 42 ليرة مقابل الدولار، مما يعكس حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد.
في هذا السياق أكد الدكتور إدريس آيات المتخصص في العلوم السياسية، أنه على المستوى السياسي، يمثّل اعتقال إمام أوغلو ضربة قوية للمعارضة، خاصة أنه كان أحد أبرز الشخصيات التي تحدّت هيمنة حزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد فوزه في انتخابات بلدية إسطنبول عام 2019، منهياً سيطرة استمرت 25 عامًا للحزب على العاصمة الاقتصادية لتركيا. ويأتي هذا الاعتقال في وقت يواجه فيه الرئيس رجب طيب أردوغان قيودًا دستورية تمنعه من الترشح لولاية جديدة، إلا أن حلفاءه، مثل زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، بدأوا بالدعوة إلى تعديلات دستورية تسمح له بالبقاء في السلطة.
لكن لماذا الآن؟ يبدو أن أردوغان لم يترك شيئًا للصدفة، فقد اختار توقيتًا دقيقًا لتنفيذ خطته.
أولًا، أوروبا مشغولة بروسيا. مع تصاعد التهديدات الروسية وتزايد التقارب بين تركيا والاتحاد الأوروبي بسبب الملف الأوكراني، بات الأوروبيون أكثر براغماتية وأقل انتقادًا لما يجري في الداخل التركي، مما يمنح أردوغان مساحة للتحرك دون ضغوط غربية كبيرة.
ثانيًا، ترامب قادم، والديمقراطية ليست أولوية. مع عودة محتملة لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يدرك أردوغان أن ملف حقوق الإنسان لن يكون على رأس أجندة الإدارة الأمريكية المقبلة، ما يمنحه هامشًا أوسع لقمع المعارضة دون تداعيات دولية كبيرة.
ثالثًا، اللعب بورقة الأكراد. داخليًا، يدرك أردوغان أن حزب الشعوب الديمقراطي، الموالي للأكراد، لن يمنحه دعمًا مباشرًا، لكنه في الوقت ذاته قد لا يقف بالكامل مع حزب الشعب الجمهوري، خاصة إذا تم تقديم تنازلات بشأن الحقوق الكردية. وإذا تمكن أردوغان من استمالة الحزب الكردي، فقد يصبح لديه دعم برلماني كافٍ لتمرير التعديلات الدستورية التي يسعى إليها.
في ظل هذه المعطيات، تجد المعارضة التركية نفسها أمام مأزق سياسي معقد. فبينما تتلاشى الضغوط الخارجية، ويعيد أردوغان ترتيب أوراقه داخليًا، تبدو خيارات المعارضة محدودة، ما قد يجعلها غير قادرة على مجابهة المشروع السلطوي المتنامي في تركيا.
لكن رغم كل ذلك، فإن المظاهرات الحاشدة التي اندلعت عقب اعتقال إمام أوغلو تعكس حالة الغليان الشعبي، ما يجعل من الصعب التنبؤ بكيفية تطور الأوضاع. فالتاريخ السياسي التركي يُظهر أن الاحتجاجات نادرًا ما أسقطت الحكومات، لكنها قد تساهم في إعادة تشكيل المشهد السياسي، وربما فتح الباب أمام موجة جديدة من التحديات أمام أردوغان وحزبه.