فيتو روسيا في مجلس الأمن.. لعبة السيادة والنفوذ على حساب أرواح السودانيين
استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان يهدف إلى وقف الأعمال العدائية في السودان وتفعيل الحوار بين طرفي النزاع، الجيش السوداني بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي اندلع في أبريل 2023. كما كان المشروع يطالب بوقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
الموقف الروسي: اعتراض على التدخل في السيادة السودانية
الفيتو الروسي جاء في وقت حساس، حيث كانت الحاجة ملحة لوقف الأعمال القتالية التي أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين في السودان. لكن روسيا عللت موقفها بعدم رغبتها في تدخل دولي في شؤون السودان، معتبرة أن المشروع يهدد السيادة الوطنية للسودان وسلامة أراضيه. ديميتري بوليانسكي، نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، انتقد القرار، متهماً إياه بمحاولة فرض حلول خارجية على السودان في إطار من "النكهة الاستعمارية".
وتساءل وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عن "كم عدد السودانيين الذين يجب قتلهم" قبل أن تتحرك روسيا لإنهاء الأزمة الإنسانية، في إشارة إلى الوضع الكارثي في البلاد حيث يحتاج حوالي 25 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية.
الانتقادات الدولية ومواءمة روسيا مع مصالحها
الولايات المتحدة انتقدت بشدة الفيتو الروسي، حيث وصفته ليندا توماس غرينفيلد، المندوبة الأمريكية، بأنه "يعرقل جهود إنقاذ الأرواح"، مشيرة إلى أن روسيا تعمل على تعزيز أهدافها السياسية في السودان على حساب المدنيين. في المقابل، أيدت الصين مشروع القرار، مشيرة إلى ضرورة تهدئة الوضع الإنساني في السودان وحماية المدنيين.
دوافع روسيا: تعزيز نفوذها في السودان وأفريقيا
الموقف الروسي من قرار مجلس الأمن يعكس استراتيجية موسكو الأوسع في الشرق الأوسط وإفريقيا. وفقًا لـ عبدالرحمن أبو خريس، المتخصص في السياسة الخارجية بالجامعات السودانية، فإن روسيا تهدف من خلال الفيتو إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية في السودان، خاصة في مجالات الذهب والبترول والموانئ. كما ترى روسيا في السودان نقطة استراتيجية في سياق علاقاتها مع دول القارة الإفريقية، حيث تسعى لزيادة نفوذها في إطار التنافس مع القوى الغربية.
وأوضحت تحليلات أخرى أن روسيا تستخدم الفيتو لمعارضة الهيمنة الغربية في مجلس الأمن، وتحقيق أهدافها في تعزيز مكانتها الدولية. كما أن دعمها للجيش السوداني بعد الانقلاب الذي قام به عبدالفتاح البرهان في أكتوبر 2021 يعكس رغبة موسكو في الحفاظ على العلاقات السياسية والاقتصادية مع الخرطوم في ظل تحولات كبيرة في السياسة العالمية.
الجيش السوداني.. استفادة من الفيتو لتعزيز سلطته
أشاد الجيش السوداني بالفيتو الروسي، حيث رأى فيه دعماً لموقفه في مواجهة قوات الدعم السريع والحفاظ على السيادة السودانية. وقال الحارث إدريس، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، إن السودان مستعد للتعاون مع الدول الراغبة في إدانة قوات الدعم السريع، لكنه أضاف أن بلاده تعتبر الفيتو الروسي خطوة مهمة لوقف تدخل القوى الدولية، مثل نشر القوات الأممية في البلاد.
أما كمال الطيب، الصحافي السوداني، فقد أشار إلى أن الجيش السوداني يسعى من خلال الفيتو الروسي إلى كسب الوقت لتعزيز سيطرته على البلاد، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. واعتبر أن روسيا تقدم دعماً مهماً للجيش السوداني في مقاومة العقوبات الدولية التي قد تفرض عليه.
آراء القوى الديمقراطية المدنية في السودان:
في المقابل، القوى الديمقراطية المدنية، مثل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، استنكرت الفيتو الروسي، ووصفته بأنه غطاء لاستمرار المذابح في السودان. واعتبرت أن الفيتو يعوق الوصول إلى المساعدات الإنسانية ويطيل من معاناة المدنيين السودانيين. وصال عبدالله، المحامية السودانية، قالت إن الفيتو الروسي يعزز من بقاء حصار قوات الدعم السريع على مناطق حيوية مثل مدينة الفاشر، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني في البلاد.
دور الفيتو الروسي في السياسة الدولية:
إلى جانب موقفها تجاه السودان، يشير هذا الفيتو إلى الانقسامات العميقة داخل مجلس الأمن الدولي، حيث تواصل روسيا استخدام الفيتو بشكل دوري لمعارضة القرارات المدعومة من الغرب. وتعتبر هذه السياسات جزءاً من صراع موسكو مع الغرب، خاصة في وقت حساس في الحرب الروسية - الأوكرانية، حيث تسعى روسيا إلى تعزيز تحالفاتها مع الدول الأفريقية المناهضة للاستعمار.
في النهاية، تبقى المأساة الإنسانية في السودان ملفاً معقداً في مجلس الأمن الدولي، حيث تتباين المواقف الدولية بين الدعوة لوقف القتال ودعم سيادة السودان. سيظل الصراع على السودان، بتداخلاته المحلية والدولية، محورًا رئيسًا في السياسة الدولية القادمة.