هل تصب تهديدات بوتين النووية في مصلحة ترامب؟
أفاد تقرير لصحيفة "التلغراف" أن التهديدات النووية المتكررة التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الآونة الأخيرة قد يكون لها تأثير غير متوقع، يتمثل في تعزيز موقف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي كان قد دعا مرارًا إلى ضرورة إنهاء الحرب في أوكرانيا من خلال الحوار المباشر. وبحسب الصحيفة، فإن تصعيد الصراع في أوكرانيا قد يعزز بشكل غير مباشر حجج ترامب التي تدعو إلى إنهاء الصراع، ويجعل من مقترحاته حول السلام أكثر إقناعًا.
التقرير تناول تطورات جديدة في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، حيث بدأ الأسبوع الجاري بتصريح من الرئيس الأمريكي جو بايدن حول إمكانية استخدام صواريخ "أتاكامز" الأمريكية ضد أهداف روسية. ورغم أن هذا التصريح جرى نشره في الصحف الأمريكية، فإن البيت الأبيض لم يؤكد أو ينفي صحة هذه التقارير. من جهة أخرى، كانت التقارير الأولية تشير إلى أن الإذن الذي قد يُمنح لأوكرانيا يتضمن توجيه ضربات فقط إلى الأهداف العسكرية الروسية في منطقة كورسك الواقعة على الحدود بين روسيا وأوكرانيا. إلا أنه بين عشية وضحاها، قامت القوات الأوكرانية بضرب مستودع ذخيرة روسي في مدينة بريانسك شمال غرب روسيا، ما أثار ردود فعل متباينة في الأوساط العسكرية والدبلوماسية.
في الوقت نفسه، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قانون نووي معدّل في روسيا، يحدد شروطًا عالية للاستخدام النووي، لكنه يشير إلى أن روسيا ستعتبر نفسها في حالة "هجوم" إذا قدمت الولايات المتحدة أي دعم عسكري لأوكرانيا، سواء كان هذا الدعم في شكل صواريخ أو مساعدات أخرى. يشير هذا التعديل في العقيدة النووية إلى أن روسيا قد تلجأ إلى أسلحة نووية إذا تعرضت مصالحها الحيوية للتهديد من قبل قوى خارجية، وهو ما يمكن أن يخلق تهديدًا حقيقيًا في حال استمرت الولايات المتحدة في دعم أوكرانيا.
صحيفة "التلغراف" أوضحت أن الجيش الروسي قد تكيف بالفعل مع التهديد الذي تشكله صواريخ "أتاكامز" و"هيمارس" الأمريكية، والتي يتم استخدامها بشكل متزايد ضد القوات الروسية في المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا. وفي الوقت الذي تم فيه نشر هذه الصواريخ في مناطق أوكرانية محتلة، قامت القوات الروسية بتطبيق استراتيجيات لتخفيف التأثيرات المحتملة لهذه الصواريخ، مثل إعادة نشر الطائرات الحربية بعيدًا عن قواعدها العسكرية المهددة.
وبالرغم من أن الهجمات عبر الحدود من قبل أوكرانيا ضد أهداف في روسيا قد تثير القلق لدى القيادة الروسية، فإن الصحيفة تشير إلى أنه من غير المرجح أن تؤدي هذه الهجمات إلى تغيير كبير في مجريات الحرب. ففي حال لم تقم الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بصواريخ إضافية أكثر قدرة من التي يُعتقد علنًا أنها بحوزتها، فإن القوات الروسية لن تواجه صعوبة كبيرة في صد الهجمات الأوكرانية في مناطق مثل كورسك. ولذا، فإن رد الفعل الروسي على هذه الهجمات قد يكون محدودًا، في حين أن التدابير الاحترازية الروسية، مثل نشر الطائرات بعيدًا عن القواعد المعرضة للخطر، من المحتمل أن تحافظ على قوتها العسكرية في مواجهة التهديدات.
من جهة أخرى، لا تقتصر تداعيات تحديث العقيدة النووية الروسية على الجانب العسكري فقط، بل لها أيضًا تأثيرات دبلوماسية كبيرة. حسب الصحيفة، فإن التصعيد في الخطاب النووي الروسي له فوائد عدة. أولًا، يعطي هذا التحديث الفرصة لروسيا لأن تتصدر عناوين الأخبار العالمية، ويضفي عليها هالة من القوة والتهديد. ثانيًا، قد يثير هذا التهديد النووي المخاوف في الولايات المتحدة، حيث من المحتمل أن يدفع المواطنين الأمريكيين إلى التفكير مرتين قبل دعم المزيد من التدخل العسكري في أوكرانيا. أخيرًا، يوفر هذا التصعيد الذريعة للمنتقدين المحليين للرئيس الأمريكي جو بايدن الذين يتهمونه بتصعيد الحرب وزيادة التوترات الدولية، وقد يعزز من الرسالة التي يروج لها ترامب، والتي تدعو إلى ضرورة إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن لتجنب التصعيد النووي.
من ناحية أخرى، ترى الصحيفة أن التعديلات على العقيدة النووية الروسية، رغم كونها مثيرة للقلق، إلا أنها لا تشكل مفاجأة كبيرة. إذ أعلن بوتين عن هذه التغييرات في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ما يعني أن هناك استعدادات مسبقة لهذه الخطوة. وكون هذه التعديلات جزءًا من وثيقة رسمية وليس إعلانًا مفاجئًا، فهي تمثل نوعًا من الاستمرار في سياسة الحذر المتبادل بين روسيا والولايات المتحدة. فبخلاف التصريحات الحماسية، تلتزم روسيا بشكل فعال بقواعد الردع النووي التي تهدف إلى تجنب التصعيد المباشر عبر خطوات تدريجية.
من جانب آخر، استعرض التقرير عدة خيارات أخرى قد تلجأ إليها روسيا لتكثيف ضغوطها على الغرب دون اللجوء إلى التصعيد النووي المباشر. على سبيل المثال، قد تقوم روسيا بتزويد الحوثيين في اليمن بمزيد من الأسلحة، أو تقديم بيانات استهداف إضافية للمساعدة في ضرب المصالح الغربية في مناطق أخرى من العالم. كما قد تشجع روسيا وكلاء آخرين في أماكن مثل الشرق الأوسط أو أفريقيا على استهداف القوات الأمريكية والغربية، أو حتى تصعيد حملاتها التخريبية في أوروبا، بما في ذلك استهداف كابلات الاتصالات تحت البحر، مما قد يتسبب في تعطيل البنية التحتية الحيوية التي تربط القارات.
في ختام التقرير، تطرقت الصحيفة إلى أن مرسوم بوتين الأخير حول العقيدة النووية قد يكون مجرد تحذير في إطار لعبة سياسية ودبلوماسية. ورغم أن المرسوم يتبنى لغة حذرة بشأن الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية، إلا أن الصحيفة أكدت أنه لا يمكن استبعاد الخيار النووي بشكل كامل. بحسب المادة الرابعة من القانون النووي المعدّل، يتم تحديد سياسة الردع النووي في روسيا من قبل الرئيس، مما يعني أن فلاديمير بوتين سيكون هو من يقرر ما إذا كان سيتخذ خطوة تصعيدية باستخدام السلاح النووي، ومتى سيكون ذلك، وفقًا للظروف التي يراها ملائمة لمصالح روسيا.