الهاتف الأحمر بين روسيا وأمريكا.. ستة عقود من التواصل المباشر في ظل التوترات العالمية
مرت ستة عقود منذ أن أُنشئ الخط الساخن "الهاتف الأحمر" بين موسكو وواشنطن، والذي كان يُعتبر بمثابة قناة حيوية للتواصل المباشر بين القادة السوفيات والأمريكيين في أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. إلا أن جرس هذا الهاتف لم يرن منذ أكثر من عامين، في وقت تتصاعد فيه التوترات بين القوتين النوويتين في أوروبا الشرقية، ولا سيما بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا.
توقف استخدام الهاتف الأحمر
في تصريح حديث للصحافة الروسية، أكد السكرتير الصحفي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف أن "الهاتف الأحمر" الذي تم إنشاؤه للاتصال بين قادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي لم يعد يُستخدم في الوقت الحالي. وأوضح بيسكوف أنه في الوقت الراهن، يتم الاعتماد على قناة اتصال محمية خاصة بين الرئيسين، بالإضافة إلى خيارات أخرى مثل مؤتمرات الفيديو. وأشار بيسكوف إلى أنه لم يتم استخدام هذه القناة الجديدة في الآونة الأخيرة.
وحسب مكتب الكرملين، كانت آخر مكالمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن قد جرت في 12 فبراير/شباط 2022، أي قبل عشرة أيام فقط من اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، في مكالمة استغرقت 62 دقيقة.
تاريخ "الهاتف الأحمر"
بدأت فكرة إنشاء خط اتصال مباشر بين موسكو وواشنطن في أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، التي كادت أن تؤدي إلى حرب نووية بين البلدين. بعد هذه الأزمة، وافق الزعيمان السوفياتي والأمريكي على إنشاء هذا الخط الساخن لتسهيل التواصل العاجل بينهما في حالات الطوارئ.
في 30 أغسطس/آب 1963، تم إرسال أول رسالة تجريبية عبر الخط الساخن، وشملت جميع الحروف الأبجدية والأرقام من واشنطن إلى موسكو. ثم تم إرسال أول رسالة رسمية عبر الهاتف الأحمر بعد اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي في نفس العام.
خلال سنوات الحرب الباردة، استخدم الخط الساخن في العديد من الأزمات العالمية لتجنب التصعيد العسكري، مثل حرب الأيام الستة بين إسرائيل والدول العربية عام 1967، وغزو السوفيات لأفغانستان عام 1979.
وفي عام 1985، شهد الهاتف الأحمر تحديثًا كبيرًا، حيث تم إضافة خدمة الفاكس إلى نظام الاتصال، مما سمح للرئيس الأمريكي رونالد ريغان بتبادل رسائل مكتوبة مع الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف. بعد ذلك، تم تطوير النظام ليشمل رسائل عبر البريد الإلكتروني في 2007، مما أتاح تسليم الرسائل في الوقت الفعلي.
محطات مهمة للهاتف الأحمر
1963: إرسال أول رسالة رسمية عبر الهاتف الأحمر بعد اغتيال الرئيس كينيدي.
1967: تفعيل الهاتف أثناء حرب الأيام الستة بين إسرائيل والدول العربية.
1979: استخدامه لتبادل الرسائل بشأن الغزو السوفياتي لأفغانستان.
1985: إضافة الفاكس إلى الخط الساخن.
2007: تحديث النظام ليشمل الرسائل الإلكترونية في الوقت الفعلي.
تراجع استخدام الخط الساخن في الآونة الأخيرة
على الرغم من تحديث الهاتف الأحمر ليشمل تقنيات حديثة مثل البريد الإلكتروني، إلا أن استخدامه انخفض بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. وبدلاً من ذلك، أصبح الرؤساء يتواصلون عبر قنوات أخرى، بما في ذلك الهاتف المباشر والفاكس. حتى في الأوقات التي كانت فيها التوترات بين القوتين النوويتين في ذروتها، مثل أزمة أوكرانيا، لم يتم استخدام الخط الساخن بشكل رسمي.
في عام 2016، تم الإبلاغ عن أن الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما استخدم "الهاتف الأحمر" للتواصل مع موسكو حول موضوع التدخل السيبراني في الانتخابات الأمريكية، لكن الكرملين نفى ذلك وأوضح أن المحادثة جرت عبر قناة مغلقة أخرى.
الهاتف الأحمر في زمن الحرب الأوكرانية
رغم التوترات الشديدة بين روسيا والولايات المتحدة في ظل الحرب الأوكرانية، لا يزال "الهاتف الأحمر" رمزًا للقدرة على تجنب التصعيد النووي. ومع ذلك، لم يُستخدم هذا الخط منذ آخر مكالمة بين الرئيسين بوتين وبايدن في فبراير 2022. ويظل السؤال: هل سيُستخدم الهاتف الأحمر مرة أخرى لإجراء محادثات حاسمة حول نهاية الحرب في أوكرانيا أو لخفض التوترات بين أكبر قوتين نوويتين في العالم؟
الخلاصة
منذ إنشائه في الستينيات، كان "الهاتف الأحمر" بمثابة أداة حيوية للحد من التصعيد العسكري بين روسيا والولايات المتحدة، ووقع العديد من الأزمات العالمية التي تم التعامل معها بفضل هذه القناة. ومع ذلك، في ظل التصعيد المستمر في أوكرانيا وتراجع التواصل المباشر بين القادة، يبقى هذا الخط الساخن شاهدًا على أوقات مضت، بينما يبقى العالم في ترقب إذا كان جرس الهاتف الأحمر سيرن مجددًا في المستقبل، ليكون خطوة نحو التهدئة والتفاوض في أعقاب واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخ العلاقات بين القوتين العظميين.