لهذا السبب تلعب سلطنة عمان دور الوسيط في المحادثات الأمريكية الإيرانية

سلطت الأضواء مجددًا على سلطنة عمان، التي عادت لتكون محط أنظار العالم في سياق الدور الدبلوماسي الذي تلعبه في المنطقة. ففي تطور جديد، أعلن رسميًا عن بدء محادثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في العاصمة العمانية مسقط، المقر المحدد لهذا اللقاء المزمع إجراؤه السبت المقبل.
من المتوقع أن يترأس الوفد الإيراني وزير الخارجية عباس عراقجي، في حين سيكون المبعوث الرئاسي الأمريكي ستيف ويتكوف على رأس الوفد الأمريكي. هذا الإعلان يأتي بعد تسلم طهران رسالة من واشنطن، والتي نقلتها الإمارات عبر مستشار الرئاسة الإماراتية أنور قرقاش في منتصف مارس الماضي. الرسالة، التي اعتُبرت بمثابة تهديد من وجهة نظر طهران، كانت محور حديث سياسي بين العديد من المراقبين الذين أشاروا إلى أن سلطنة عمان وقطر لم تُبدِ رغبة كبيرة في نقل الرسالة الأمريكية، حيث شملتها تهديدات لواحدة من أكثر القضايا الحساسة في المنطقة. ومع ذلك، اختارت إيران الرد على هذه الرسالة عبر سلطنة عمان، وأيضًا اختارتها كمنبر لاستئناف المحادثات غير المباشرة بشأن برنامجها النووي، الذي يأمل الإيرانيون أن يؤدي إلى رفع العقوبات المفروضة عليهم.
دور عمان في المفاوضات.. حياد وتاريخ طويل من الوساطة
الأكاديمي العماني عبد الله باعبود، الذي يُعد مختصًا في شؤون الخليج والشرق الأوسط، أشار إلى أن اختيار إيران لسلطنة عمان يعود إلى تاريخها الطويل في تبني سياسة الحياد والثقة المتبادلة بين مسقط وطهران. وهو ما يذكرنا بالدور الذي لعبته عمان في المفاوضات السابقة التي أفضت إلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015. باعبود أضاف في تصريحات له، أن عمان أظهرت قدرة كبيرة على توفير بيئة سرية للمحادثات دون التدخل المباشر في التفاصيل، مما جعلها مكانًا مناسبًا لاستئناف الحوار بين الأطراف المعنية.
عمان، بتوجهاتها الدبلوماسية، تظل متيقنة من أن أي تصعيد أو نزاع مع إيران ستكون له تبعات ضخمة على استقرار المنطقة ككل. من هنا، يتضح أن عمان لا تقتصر على توفير مكان للمفاوضات بل أيضًا على ضمان أن يكون الحوار خاليًا من أي تحريف أو تدخلات أجنبية قد تعقد التوصل إلى حل.
أسباب وطبيعة اللقاء المرتقب
بينما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفضيله للمفاوضات المباشرة، كان الموقف الإيراني مختلفًا. حيث أكدت طهران أنها ستكون مستعدة فقط للمحادثات غير المباشرة، وهو أمر يعكس خيبة أملها في التعامل مع إدارة ترامب، التي وصفها المسؤولون الإيرانيون بأنها "غير متسقة" في مواقفها. وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، صرح مؤخرًا أن المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة "لا معنى لها" طالما أن هناك تهديدات مستمرة من واشنطن باستخدام القوة.
على الرغم من ذلك، يبقى المراقبون يتوقعون أن هذه المحادثات غير المباشرة ستكون مرحلة تمهيدية لمفاوضات مباشرة، إذ يُفترض أن يتم خلالها تحديد قواعد أساسية للتعاون بين الطرفين. الباحث في الشؤون الإيرانية، الدكتور حكم أمهز، أشار إلى أن الهدف من هذه المحادثات هو وضع أسس مشتركة تُبنى عليها المفاوضات المستقبلية، التي قد تصل إلى اتفاق نووي شامل. لكنه لفت إلى أن بناء الثقة بين الطرفين يعد شرطًا أساسيًا لهذه المفاوضات، وأن ما يحدث في مسقط قد يكون اختبارًا حقيقيًا لهذه الثقة.
عوامل تجعلها الوسيط الأمثل
في العلاقات الدولية، تلعب عدة عوامل دورًا أساسيًا في تحديد الدول القادرة على أن تكون وسطاء فعالين في حل النزاعات. من بين هذه العوامل، نجد الموقع الجغرافي، العلاقات الدبلوماسية الجيدة مع الأطراف المتنازعة، والحياد السياسي. سلطنة عمان تمتلك جميع هذه العوامل، مما جعلها لاعبًا رئيسيًا في الوساطة بالمنطقة لعقود طويلة.
السياسة الخارجية العمانية، التي أرساها السلطان الراحل قابوس بن سعيد منذ عام 1970، اعتمدت على ثلاثة مبادئ أساسية: الحياد، الوساطة، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. هذه السياسة كانت حجر الزاوية في جعل عمان لاعبًا رئيسيًا في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، مثل الحرب العراقية الإيرانية، الغزو العراقي للكويت، والعديد من الأزمات الأخرى في المنطقة.
كما أن عُمان لم تقتصر على لعب دور الوسيط في القضايا السياسية الكبرى، بل كانت أيضًا شريكًا في حل العديد من القضايا الإنسانية، مثل جهودها في إطلاق سراح رهائن فرنسيين ويمنيين، إضافة إلى الدور الكبير الذي لعبته في التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015.
عمان تحت الاختبار
اليوم، بعد تولي السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم في عام 2020، تواجه سلطنة عمان تحديات جديدة في استئناف دورها الوسيط، خاصة في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في 2018. ورغم ذلك، تظل عمان ملتزمة بتوجهاتها التقليدية في الوساطة، مع تعزيز الثقة بين الأطراف المتفاوضة، بما يساهم في استئناف العلاقات بين إيران والولايات المتحدة.
إذًا، من المتوقع أن تمثل المحادثات المزمع عقدها في مسقط امتحانًا حقيقيًا لدبلوماسية عمان في المرحلة الحالية. وسواء تم التوصل إلى اتفاق شامل أو استمر التصعيد، فإن الدور الذي تلعبه عمان في مساعدة الأطراف على التفاوض يبقى ذا قيمة محورية في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.