الإمام علي زين العابدين.. نور الهداية في عالم الظلمات
تعتبر احتفالية مولد الإمام علي زين العابدين من أبرز المناسبات التي تجمع أبناء الطرق الصوفية، الذين يأتون من مختلف المناطق للاحتفال بهذه الذكرى العظيمة.
الإمام زين العابدين، ابن الإمام الحسين، وُلد في الخامس من شهر شعبان عام 38 هـ، ويُقال أيضاً في الخامس عشر من جمادى الآخرة. شهد الإمام زين العابدين فترة إمامة جده الإمام علي بن أبي طالب لمدة سنتين، وإمامة عمه الإمام الحسن لعشر سنوات، وإمامة والده الإمام الحسين لإحدى عشرة سنة. عاش بعد استشهاد والده أربعاً وثلاثين سنة. رغم أنه كان يعرف أيضاً باسم "علي الأكبر" في بعض المصادر القديمة، إلا أن الاسم الأكثر شيوعاً هو "زين العابدين" لتجنب الالتباس مع علي الأكبر، ابن الإمام الحسين الذي استشهد في يوم عاشوراء.
الإمام زين العابدين لم يتمكن من المشاركة في معركة كربلاء بسبب مرض شديد، وهو ما ساهم في عدم قدرته على القتال بجانب والده. وعندما قتل جنود يزيد ابني الإمام الحسين، علي الأكبر وعلي الأصغر، ظنوا أنهم قد قتلوا الإمام الذي سيخلف الإمام الحسين، مما زاد من دهشة يزيد حين رأى الإمام زين العابدين بين الأسرى. حاول يزيد قتله فوراً، لكن عمته زينب بنت الإمام علي حالت دون ذلك بسبب مرضه الشديد، مما دفع يزيد لتجنب الفضيحة ورفض قتله.
تجسدت شخصية الإمام زين العابدين في العلم والورع والتقوى، إذ وصفه العديد من العلماء مثل الإمام الزهري وسعيد بن المسيب وسفيان بن عينة بأنه كان من أعلم أهل زمانه. يُعزى إليه صحيفة سجادية تحتوي على دعوات بليغة، واشتهر بكثرة عبادته، مما أكسبه لقب "زين العابدين" وفقاً للإمام مالك والإمام الشافعي.
عُرف الإمام زين العابدين بجودته وإحسانه، حيث كان يقوم بتوزيع الصدقات سراً على الأرامل والمساكين، دون أن يكشف عن هويته. توفي في محرم عام 95 هـ، ويُقال إن سبب وفاته كان تسمماً دسه له الوليد بن عبد الملك بن مروان. دفن في البقيع بجوار عمه الحسن بن علي، بينما ضريح المسجد يحتوي على رأس ابنه الإمام زيد بن علي الذي قُتل على يد هشام بن عبد الملك.
تُعد وصايا الإمام زين العابدين لابنه من بين الإرث القيم الذي تركه، حيث نصح بعدم صحبة بعض الفئات مثل الفاسق والبخيل والكذاب والأحمق وقاطع الرحم، مشيراً إلى الأثر السلبي لهذه الصحبة.
وقد قال عنه الشاعر الفرزدق في قصيدته المشهورة، مبيناً فضله:
"من معشر حبهم فرض وبغضهم ** كفر وقربهم منجى ومعتصم"
ويظل الإمام زين العابدين رمزاً للعلم والتقوى والورع، وقد ترك إرثاً عظيمًا في تاريخ الإسلام.