اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

أرواح تحت النار.. مأساة النساء والأطفال في غزة

مأساة النساء والأطفال في غزة
مأساة النساء والأطفال في غزة

تعيش النساء والأطفال في قطاع غزة أوقاتًا عصيبة منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث يتعرضون لأبشع أنواع العنف في إطار الإبادة الجماعية المستمرة. وقد أظهرت الإحصائيات أن النساء والأطفال يشكلون حوالي 69% من إجمالي الضحايا، إذ استشهد نحو 11,458 سيدة و16,891 طفلًا، بينما أصيب عشرات الآلاف بجراح تتراوح بين الخفيفة والحرجة، بما في ذلك إصابات أدت لبتر الأطراف.

تتزايد الأعباء على النساء اللواتي فقدن معيلين أساسيين، مما جعلهن يتحملن مسؤوليات ضخمة في رعاية الأطفال وتأمين احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك توفير الحد الأدنى من "الأمن". وقد أُجبرت العديد منهن على اتخاذ قرارات صعبة خلال رحلات النزوح المتكررة، محاولات الحفاظ على سلامة أطفالهن وسط الغارات الجوية المستمرة.

وتُعاني النساء من آثار نفسية عميقة نتيجة الظروف القاسية، حيث فقدت الكثير منهن أفراد أسرهن، مما زاد من أعباء الحياة اليومية. وفقًا لماريس غيموند، الممثلة الخاصة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين، فإن "مليون امرأة وفتاة في غزة يتحملن أسوأ أعباء حرب ممتدة". ووصفت النساء بأنهن "جائعات ومنهكات ومريضات، يحافظن على بقاء الأسر رغم العيش في خوف مستمر".

يُعتبر الوضع الاقتصادي أيضًا بالغ الصعوبة، حيث تواجه النساء تحديات كبيرة في تأمين لقمة العيش. تضطر الكثيرات منهن للخروج بحثًا عن موارد اقتصادية بديلة في ظل انعدام الوصول إلى الغذاء والمياه، مما يزيد من الضغط النفسي عليهن وعلى الأطفال الذين يشاركون في تحمل هذه المسؤوليات.

تُظهر هذه الظروف القاسية عمق المأساة التي تعيشها الأسر في غزة، حيث يُفقد الأمل في الحصول على حياة كريمة وسط الصراع المستمر. إن الوضع يتطلب اهتمامًا عاجلاً من المجتمع الدولي لإنهاء هذا العنف وضمان حقوق النساء والأطفال في العيش بكرامة وأمان.

تروي ابتسام جندية، 52 عامًا، قصة معاناتها منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة في السابع من أكتوبر 2023. عانت "أم محمد" من ثمانية رحلات نزوح متتالية، بدأت من منطقة الشجاعية شرق المدينة، وصولًا إلى مركز الإيواء في مدرسة الرملة.

تقول جندية: "في كل رحلة نزوح، كنا نخرج من المنزل بملابسنا التي نرتديها فقط." هذا الواقع ألقى بأعباء ثقيلة على كاهلها، إذ تتولى مسؤولية إعالة نحو 12 فردًا في عائلتها، بعد استشهاد نجلها قبل سبعة أشهر على يد الاحتلال الإسرائيلي، وإصابة نجل آخر الذي انتقل للعلاج في جنوب القطاع.

تصف جندية حالتها النفسية قائلة: "ابني كان المعيل، لم أتحمل مسؤولية أي شيء قبل ذلك." ورغم الآلام النفسية والجسدية، تواصل جندية تقديم الرعاية لعائلتها، مضطرةً للبحث عن الحطب لإشعال النيران للطهي أو تسخين المياه.

تعتمد الأسرة بشكل كبير على المواد الغذائية المعلبة، وهو ما أثر سلبًا على صحتها وصحة الأطفال، بسبب ندرة توفر الطعام.

معاناة مضاعفة

بعد تدمير منزلها في حي الشجاعية، فقدت ابتسام جندية كل مستلزمات الحياة الأساسية، مما زاد من معاناتها خلال رحلات النزوح المتكررة. تقول جندية: "كل ما تبقى لنا هو الملابس التي نرتديها، ونواجه صعوبة في توفير الملابس والأغطية والأواني."

تعاني العائلة من تقلبات الطقس، حيث تصف جندية كيف مرت عليهم أجواء شديدة الحرارة في الصيف وأخرى شديدة البرودة في الشتاء، دون توفر الملابس المناسبة. في ظل هذه الظروف، لجأت إلى فرش الكتب والأوراق المدرسية على الأرض لتخفيف لسعات البرد عن الأطفال.

تتكبد جندية أيضًا الأعباء الصحية الناتجة عن ظروف الحياة القاسية في مركز الإيواء، إذ أصيبت يديها بحروق واضحة وتشققات بسبب الطهي على النار وغسل الملابس يدويًا. وتضيف: "الأطفال أصيبوا بأمراض جلدية ومعوية نتيجة هذه الظروف."

تسترجع جندية ذكرياتها قائلة: "قبل الحرب، كانت الحياة سهلة، كل شيء كان متوفرًا من كهرباء ومياه صالحة للاستخدام." اليوم، تواجه معاناة يومية في الحصول على أبسط الاحتياجات.

تصف حالتها النفسية بقولها: "أصبنا بحالة من اللا مبالاة وسط الحزن والجوع والخوف." وتستحضر تساؤلات مؤلمة: "ما هي الحياة بالنسبة للأم عندما تفقد ابنها؟ بعد انتهاء الحرب، كيف ستعود الحياة؟ لن تكون هناك حياة لي ولا لغيري."
ظروف قاسية

تعيش النساء والأطفال في غزة أوقاتًا عصيبة نتيجة الإبادة الجماعية التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023. نوال الغماري، المواطنة الستينية التي تقيم في مدرسة "الزهراء" شرق المدينة، تشكو من قسوة الظروف التي مرّت بها. فقد استشهد زوجها في يوليو الماضي جراء استهداف إسرائيلي، وظلت تعاني من فقدانه، حيث "بقي ثلاثة أيام داخل المنزل دون أن أجد من ينقله للمستشفى ويدفنه"، تقول نوال، مضيفة أنها وضعت عليه غطاءً وقرأت آيات قرآنية.

تعاني الغماري من نقص الغذاء والمياه، مشيرة إلى أن "الجوع والعطش أصبحا جزءًا من حياتنا اليومية". يزداد الأمر صعوبة عندما يتطلب الأمر توفير الاحتياجات الأساسية في ظل ظروف الحرب.

انعدام الخصوصية والكرامة
منى سلوت، التي فقدت الكثير من أفراد أسرتها، تعيش ظروفًا صعبة في مدرسة إيواء أيضًا. تشكو من "انعدام الخصوصية"، حيث تضطر لمواجهة 50 شخصًا في الصف الواحد، مما يجعل تغيير الملابس أو استخدام دورة المياه معاناة يومية. تقول: "علينا صنع ساتر من القماش، ويستغرق الأمر أيامًا للعثور على مكان للاستحمام".

إلى جانب ذلك، تعاني منى من مشكلات صحية ناجمة عن الظروف، إذ تؤدي الدخان الناجم عن إشعال النيران إلى تفاقم حالتها الصحية، مما يزيد من معاناتها.

مخاطر صحية تتهدد النساء
وفقًا لتقرير الأمم المتحدة، يواجه أكثر من 177 ألف امرأة في غزة مخاطر صحية تهدد حياتهن، بما في ذلك الأمراض المزمنة والمعدية. من بين هؤلاء، هناك 15 ألف سيدة حامل يواجهن مجاعة، مما يعرضهن لمضاعفات صحية خطيرة.

الأطفال: ضحايا بلا ذنب
أما الأطفال، فيمثلون أكثر الفئات تضررًا. تشير البيانات إلى أن الإبادة الجماعية أودت بحياة 16 ألف و891 طفلًا، بينهم 171 رضيعا. هذه الأحداث تركت العديد منهم يتيمًا، مما أجبرهم على تحمل مسؤوليات تفوق أعمارهم. الأطفال يواجهون جوعًا وعطشًا مستمرين، ويعانون من صدمات نفسية جراء ما يشاهدونه يوميًا.

أوضحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن "الأطفال بحاجة ماسة إلى الدعم المنقذ للحياة، ولا يوجد مكان آمن لهم مع تفاقم الأزمة الإنسانية".

استهتار المجتمع الدولي
منذ بداية هذه الحرب، قُتل أكثر من 138 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وأصبح أكثر من 10 آلاف في عداد المفقودين. في ظل استهانة المجتمع الدولي، تواصل إسرائيل حرب الإبادة، متجاهلة قرارات مجلس الأمن الدولي وأوامر محكمة العدل الدولية، مما يفاقم الوضع الإنساني الكارثي في غزة.