أطباء الجزائر بين الأمل والاحتجاج... هل تُشفى جروح القطاع الطبي؟
للأسبوع الثاني على التوالي، يشهد قطاع كليات الطب في الجزائر موجة من الاحتجاجات، حيث يعبر طلاب الطب عن استيائهم إزاء التحديات المهنية والأكاديمية التي تواجههم. وتتزايد حدة الاحتجاجات في أنحاء البلاد، مطالبين بالتوظيف المباشر بعد التخرج، ورفع جودة التعليم والتدريب، بالإضافة إلى معالجة مشكلات هيكلية تواجه النظام الطبي الجامعي.
في البداية، انطلقت الاحتجاجات داخل كليات الطب، مركزة على ضرورة توفير عدد أكبر من فرص العمل المتاحة لخريجي التخصصات الطبية المختلفة، إلا أن قائمة المطالب توسعت لاحقاً مع انتقال التظاهرات من العاصمة الجزائرية إلى مدن أخرى. وأوضح الطلاب المحتجون أن أحد المطالب الأساسية يتمثل في إنهاء التجميد المفروض على اعتماد شهادات التخرج، مشيرين إلى أن هذا التجميد يحرمهم من حرية اختيار مسارهم المهني والتعليم العالي.
وفي هذا الصدد، تحدث يزيد حموتي، وهو طبيب عام عاطل عن العمل، عن تأثير السياسات التعليمية الحالية على سوق العمل الطبي، حيث قال إن رفع "المقاعد البيداغوجية (الجامعية) للتكوين الطبي من حوالي 6 آلاف إلى 20 ألف مقعد لا يتوافق مع احتياجات سوق العمل"، مشيراً إلى أن الجزائر تعاني بالفعل من فائض في أعداد الأطباء المتخرجين العاطلين عن العمل، ما وصفه بـ"التناقض الواضح".
ورداً على مطالب الطلاب، قررت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عقد اجتماع مع ممثلي طلاب الطب بهدف مناقشة مطالبهم وتشكيل لجنة إصغاء لإعداد تقرير يتناول حلولاً مقترحة للأزمة الحالية. وأوضح رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، السعيد حمصي، أن "مطالب الطلاب مشروعة" لكنه أكد أن السلطات "لديها رؤية مختلفة". وبيّن أن تخريج عدد أكبر من الأطباء يهدف إلى معالجة مشكلة هجرة الكفاءات الطبية إلى الخارج، مستشهداً بالأزمة التي عانت منها الجزائر في التسعينيات حين هاجر عدد كبير من الأطباء إلى الغرب، مما أدى إلى نقص حاد في الكوادر الطبية داخل البلاد. وأضاف حمصي: "ليس من المقبول أن يسارع الخريج بالسفر إلى الخارج فور تخرجه، مما يفرغ المنظومة الصحية من طاقاتها المحلية."
وعلى خلفية هذه الاحتجاجات، شهدت المراكز الاستشفائية الجامعية بالمدن الكبرى شللاً جزئياً خلال الأسبوعين الماضيين، حيث توقف الأطباء الداخليين عن العمل في مختلف التخصصات بسبب تدني الأجور، وافتقار المستشفيات للظروف المناسبة، والإجراءات الرسمية التي تحد من تنقل الأطباء إلى الخارج للعمل. ورغم اللقاء الذي جمع وزير التعليم العالي، كمال بداري، مع ممثلي الأطباء المضربين في 20 من الشهر الحالي، إلا أن المفاوضات لم تسفر عن نتائج مرضية للطلاب، بحسب ما أفاد ممثلوهم عبر حساباتهم على وسائل الإعلام الاجتماعي، حيث يعرضون يومياً تفاصيل وتطورات الإضراب، منتقدين غياب اهتمام وسائل الإعلام بتغطية الأزمة.
وبعد انتهاء اللقاء، أعلنت وزارة التعليم العالي أنها طالبت المؤسسات الجامعية بتفعيل نظام التعويضات المالية الخاصة بالتدريبات الميدانية لطلاب السنة الأخيرة في كليات الطب، على أن يبدأ صرف العلاوات في شهر نوفمبر المقبل. كما وعد الوزير بحل مشكلة الاكتظاظ في كليات الطب، وبخصوص رفع عدد المناصب الخاصة بالالتحاق بالتكوين لنيل "شهادة الدراسات الطبية الخاصة" المعروفة بـ"الأطباء المقيمين"، تعهد بزيادة هذه المناصب من 3045 إلى 4045، لكن هذا الرفع لن يدخل حيز التنفيذ إلا مع بداية العام الجامعي المقبل. ومع ذلك، يرى الطلاب أن هذه الوعود غير كافية، مشددين على ضرورة إحداث إصلاحات هيكلية في نظام التدريب الطبي وزيادة الدعم المالي لضمان تحسين جودة التعليم والتدريب الطبي.
ويعبر المضربون عن استيائهم من تراكم المشكلات التي يعانون منها على مدار السنوات الأخيرة، متهمين الحكومة بعدم اتخاذ خطوات جدية لحلها. من أبرز هذه المشكلات، وفقاً للطلاب، ضعف التكوين والتدريبات العملية في المستشفيات، مما يؤثر سلباً على جودة التعليم الطبي. كما ينتقدون قرارات الحكومة بفتح عدد من الملحقات لكليات الطب في مناطق بعيدة عن المدن الكبرى، في إطار تخفيف الضغط عن الكليات المركزية، حيث أن بعض هذه الملحقات تفتقر لوجود مستشفيات تعليمية، مما يعني أن الطلاب في هذه المناطق سيواجهون تحديات أكبر في التوظيف بعد التخرج.
ويطالب المضربون بزيادة عدد المقاعد المتاحة للتخصصات الطبية بما يلبي الطلب المتزايد، وتحسين بيئة التدريب وتوفير اعتراف كامل بشهاداتهم الأكاديمية، مما يسهل عليهم العمل في القطاع الصحي داخل الجزائر وخارجها. ويُعد "امتحان الإقامة" بؤرة التوتر الرئيسية في هذه الأزمة، حيث يعتبر هذا الامتحان خطوة محورية في مسار طلاب الطب، إذ يسلط الضوء على أوجه القصور العميقة في نظام التدريب الطبي. يعاني القطاع من نقص في فرص العمل المحلية، مما يدفع العديد من الأطباء إلى الهجرة، خاصة نحو فرنسا، مما يفاقم ظاهرة "هجرة الأدمغة".
وتعكس هذه الاحتجاجات مطالب طلاب الطب المتراكمة في الجزائر، الذين يسعون لتحسين نظام التعليم والتدريب الطبي وتعزيز فرص العمل، آمِلين في أن تستجيب الحكومة لهذه التطلعات لضمان مستقبل مهني مستقر لهم داخل البلاد، وإيقاف نزيف الكفاءات الطبية إلى الخارج.