السودان في قاع الكارثة.. حرب مستمرة وأزمات إنسانية تهدد الملايين في 2024
في عام مليء بالتحديات، تفاقمت الأوضاع الإنسانية في السودان بشكل غير مسبوق. منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، يعيش السودان واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه، حيث أدت الحرب المستمرة إلى تزايد معدلات النزوح، انتشار الأوبئة، وانعدام الأمن الغذائي. وتشير التوقعات إلى أن الوضع سيزداد سوءًا في الفترة المقبلة، مع إمكانية دخول البلاد في أسوأ أزمة جوع في تاريخها.
أزمة إنسانية مرشحة للتفاقم
وتؤكد الأمم المتحدة أن السودان، الذي كان يعاني من الفقر حتى قبل اندلاع الحرب، أصبح الآن يشهد "واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم"، مع تزايد المخاوف من تفاقم أزمة الجوع. وتدعو العديد من الجهات الدولية والمحلية إلى إنهاء الصراع بسرعة لتفادي كارثة إنسانية قد تودي بحياة الملايين نتيجة نقص الغذاء وتواصل القتال.
الإحصائيات الإنسانية
ارتفعت أعداد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية بشكل كبير، حيث ذكر أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أن حوالي 25.6 مليون شخص في السودان بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية. كما أشارت منظمة "يونيسيف" إلى أن 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في حين أن 17 مليون طفل لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة، و15 مليون شخص يعيشون في مناطق معرضة لخطر الفيضانات.
ومن بين أكثر الإحصائيات المثيرة للقلق، كانت 14.3 مليون شخص مهددين بالإصابة بالأوبئة مثل الكوليرا، حمى الضنك، والملاريا، بينما يعاني 13 مليون طفل من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك المجاعة المؤكدة في مخيم زمزم بشمال دارفور.
التحديات الصحية في ظل الحرب
في ظل هذه الأوضاع المتدهورة، تواجه وزارة الصحة السودانية تحديات هائلة. فقد أُصيب حوالي 29 ألف شخص بالكوليرا في 12 ولاية سودانية، بينما سجلت حالات الإصابة بـ حمى الضنك حوالي 9,316 حالة، بالإضافة إلى 4,871 حالة إصابة بالحصبة.
وكشفت "يونيسيف" في تقريرها لشهر سبتمبر 2024 عن تعرض 113 مرفقًا صحيًا للهجوم هذا العام، مع إغلاق 70% من المنشآت الصحية في البلاد. كما لقي 45 من العاملين في المجال الإنساني حتفهم في حوادث متفرقة، في الوقت الذي يعاني فيه السودان من نقص حاد في الرعاية الصحية الأساسية.
حركة النزوح والجمعيات الإنسانية
ومن جانبه، أفاد منظمة الهجرة الدولية بأن هناك 11 مليون نازح داخلي في السودان، مما يجعل البلاد واحدة من أكبر دول النزوح في العالم. وأكثر من نصف هؤلاء النازحين هم من النساء، في حين أن 4 ملايين امرأة وفتاة يواجهن تهديدات متزايدة بالعنف الجنسي. كما أصبحت 3.1 مليون شخص من السودانيين طالبي لجوء في دول الجوار. ومن الجدير بالذكر أن أكثر من نصف سكان البلاد يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
التأثيرات الصحية على الأطفال
أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) أن حوالي 3.7 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 6 و59 شهرا يعانون من سوء التغذية الحاد، مع حاجتهم الماسة إلى علاج منقذ للحياة. كما يعاني مليون امرأة حامل ومرضعة من سوء التغذية الحاد، في حين أن حوالي 730 ألف طفل يعانون من الهزال الشديد دون علاج.
مبادرات دولية لحل الأزمة
منذ بداية النزاع في أبريل 2023، تم إطلاق العديد من المبادرات الدولية والمحلية في محاولة للحد من القتال وإيجاد حلول دائمة للأزمة. تصدرت الوساطة بين السعودية والولايات المتحدة المشهد، حيث استضافت مدينة جدة في مايو 2023 محادثات بين الأطراف المتنازعة، بهدف تقليل التوترات وتهيئة الظروف لحوار سياسي يؤدي إلى هدنة.
وفي وقت لاحق، أعلن الاتحاد الأفريقي عن خارطة طريق لحل الصراع في السودان تتضمن وقفًا فوريًا ودائمًا للقتال، وحماية المدنيين، وإعادة العملية السياسية الانتقالية. كما تواصلت جامعة الدول العربية ومصر مع أطراف النزاع في محاولات لوقف القتال، ولكن هذه المبادرات لم تُثمر عن أي تقدم كبير حتى الآن.
إن السودان اليوم يواجه واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في تاريخه، وسط حرب مستمرة أدت إلى نزوح الملايين وانتشار الأوبئة. ورغم المبادرات العديدة من المنظمات الدولية والدول المجاورة، إلا أن الحلول السياسية لم تُسفر بعد عن وقف للقتال أو هدنة دائمة. يظل الأمل في إيجاد حل شامل يحول دون وقوع كارثة إنسانية كاملة في السودان، والتي تهدد حياة ملايين البشر.