ترامب يشعل فتيل أزمة ”قناة بنما”.. تهديدات تعيد عقارب الزمن إلى الوراء
لم يمضِ وقت طويل على انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، حتى بدأ بإثارة أزمات دولية، إذ هدد بنما باستعادة السيطرة على قناة بنما إذا لم يتم إدارتها "بطريقة مقبولة"، وذلك في تصريحات لاقت صدى واسعًا وأثارت استغراب المراقبين.
تهديدات مباشرة لبنما بشأن قناة بنما
في منشور عبر منصته "تروث سوشيال"، قال ترامب إن الرسوم التي تفرضها بنما على استخدام القناة "سخيفة"، وألمح إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تطالب باستعادة القناة إذا لم تُدار بشكل يرضي واشنطن.
وأضاف: "القناة لا يجب أن تقع في الأيدي الخطأ"، في إشارة غير مباشرة إلى الصين، مشددًا على أن الولايات المتحدة لن تسمح بأي تأثير صيني محتمل على القناة.
ترامب ذهب إلى أبعد من ذلك، متهمًا بنما بأنها لا تلتزم بـ"المبادئ الأخلاقية والقانونية" التي وافقت عليها عند نقل السيطرة على القناة، مؤكدًا أن الولايات المتحدة قد تطالب بإعادة القناة إذا استمر الوضع كما هو.
تاريخ قناة بنما: من السيطرة الأمريكية إلى الإدارة البنمية
بداية المشروع
في عام 1903، وقّعت الولايات المتحدة معاهدة مع بنما المستقلة حديثًا، سمحت بموجبها بتطوير قناة تربط المحيطين الأطلسي والهادئ.
بموجب الاتفاق، حصلت الولايات المتحدة على حق السيطرة على الأراضي المحيطة بالقناة، والتي أُطلق عليها اسم "منطقة قناة بنما"، بالإضافة إلى الإشراف الكامل على إدارة القناة.
نقل السيطرة
في عام 1977، وقع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مع الحاكم العسكري البنمي عمر توريخوس معاهدتين لنقل إدارة القناة إلى بنما.
وبموجب المعاهدتين، اكتسبت بنما السيطرة الكاملة على القناة بحلول عام 1999، مع احتفاظ الولايات المتحدة بالحق في الدفاع عن حياد القناة في حال تعرضها لأي تهديد.
الوضع الحالي للقناة
القناة تُدار اليوم بواسطة هيئة قناة بنما، وهي وكالة حكومية مستقلة.
تتمتع القناة بمكانة استراتيجية مهمة، حيث تعد ممرًا رئيسيًا لحركة التجارة العالمية، إذ تربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ.
المخاوف الأمريكية من النفوذ الصيني
على الرغم من تصريحات ترامب التي تشير إلى وجود تأثير صيني على القناة، إلا أن الواقع مختلف.
وفقًا لتقارير صحفية، لا تلعب الصين أي دور مباشر في إدارة القناة.
تُدير شركة مقرها هونغ كونغ ميناءين في طرفي القناة، لكن هذا لا يمنح الصين سيطرة على حركة السفن أو إدارة الممر المائي.
ومع ذلك، تعزز الصين وجودها التجاري في بنما وأمريكا اللاتينية بشكل عام، ما يثير قلق الولايات المتحدة بشأن تنامي النفوذ الصيني في المنطقة.
التداعيات القانونية والديبلوماسية لتصريحات ترامب
تثير تصريحات ترامب تساؤلات حول إمكانية الولايات المتحدة استعادة السيطرة على القناة.
المحللون القانونيون يرون أن المعاهدات التي أبرمتها الولايات المتحدة مع بنما لا تسمح بذلك، خاصة بعد نقل الإدارة الكاملة للقناة إلى بنما عام 1999.
أي محاولة لاستعادة القناة قد تؤدي إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين، خصوصًا في ظل تعهد الرئيس البنمي الجديد خوسيه راؤول مولينو بتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة.
كيف تُقرأ تصريحات ترامب؟
تصريحات ترامب تُعد نادرة لرئيس أمريكي يهدد دولة ذات سيادة بالضغط لاستعادة أراضٍ سلمتها واشنطن سابقًا بموجب معاهدات قانونية.
هذه التصريحات تعكس تحولًا متوقعًا في السياسة الخارجية الأمريكية خلال فترة ترامب، الذي يعتمد أسلوبًا صداميًا حتى مع الحلفاء.
تأتي هذه التصريحات أيضًا في وقت حساس، حيث تسعى بنما للحفاظ على علاقات متوازنة بين الولايات المتحدة والصين.
ردود الفعل البنمية والدولية
حتى الآن، لم تصدر الحكومة البنمية أي تعليق رسمي على تصريحات ترامب، فيما ينتظر المجتمع الدولي تطورات الموقف وما إذا كانت هذه التصريحات ستتحول إلى سياسة أمريكية رسمية أم أنها مجرد خطاب سياسي.
تصريحات ترامب بشأن قناة بنما تفتح بابًا لأزمة دولية جديدة، تضاف إلى سلسلة الأزمات التي أثارها خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه. وبينما يترقب العالم سياسته بعد دخوله البيت الأبيض، يبقى السؤال: هل ستتحول تهديداته إلى إجراءات عملية أم أنها مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي؟
