من ”الأسد” إلى ”الشرع”.. الحكم العائلي في سوريا بين إرث الدم ورهانات التغيير

في خضم التغيرات السياسية التي تعصف بسوريا ما بعد الأسد، أثارت خطوة الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، بتعيين شقيقه ماهر الشرع أمينًا عامًا لرئاسة الجمهورية، جدلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدًا مع تداول عبارة ساخرة تقول: "راح ماهر وإجا ماهر"، في إشارة إلى خروج ماهر الأسد من المشهد، وصعود ماهر الشرع إلى منصب سيادي حساس.
لكن هذه المقارنة الظاهرية التي تبدو فكاهية وسريعة، تخفي وراءها مفارقة عميقة في طبيعة الحكم، وشخصيات الأفراد، والسياق التاريخي لكل من المرحلتين.
على مدار عقود، كان النظام الأسدي يجسد نموذجًا صارخًا للحكم العائلي المتسلط، حيث تحوّلت سوريا إلى "شركة عائلية" تُدار بالحديد والنار، وسُخِّرت مؤسسات الدولة لخدمة بقاء العائلة، وليس لبناء الدولة.
في المقابل، يبدو أن ما يقوم به الرئيس الجديد، أحمد الشرع، يأتي في سياق مختلف كليًا، أقرب إلى تقاليد الدولة الحديثة، التي ترى في العائلة مصدر دعم لا أداة قمع. فعندما يعيّن الرئيس شقيقه في موقع هام، لا يعيّنه كمندوب طائفي أو زعيم ميليشيا، بل كشخصية مدنية متعلمة ومحترفة، في محاولة لإعادة ترميم الدولة من الداخل، بعد أن خربتها "مافيات الحكم" السابقة.
من ماهر الأسد إلى ماهر الشرع.. لا وجه للمقارنة
ماهر الأسد لم يكن سوى ابن بيئة العنف والفساد المتجذر، بدأ حياته "ولدًا مدللًا" في عائلة عسكرية، وانتهى زعيمًا دمويًا للفرقة الرابعة، أحد أبرز أذرع القمع في سوريا. وبتفويض مباشر من بشار، كان ماهر يدير ماكينة الموت من صيدنايا إلى داريا، من المخابرات إلى المعارك الطائفية.
في المقابل، ينتمي ماهر الشرع إلى عائلة مدنية مثقفة، وتاريخه الوظيفي يشير إلى سيرة طبية ومهنية لا تشوبها الجرائم أو شبهات الفساد. لا تربطه ميليشيات ولا يملك سجلًا دمويًا، ولا يستخدم منصبه لتكريس الخوف، بل يبدو اختياره انعكاسًا لتوجه جديد نحو الإدارة بالكفاءة والوفاء العائلي المعتدل.
تستدعي الذاكرة السورية مفارقة لافتة: بشار الأسد لم يثق بأخيه ماهر، رغم كل ما فعله لخدمته، وعند لحظة السقوط، لم يُعلمه حتى بنيّته الهرب. أما أحمد الشرع، فيُظهر توجهًا مغايرًا، يرى في أخيه سندًا له في معركة إعادة بناء بلد محطّم، لا مجرد ظلّ أو خصم محتمل.
ولعل السوريين يعرفون جيدًا معنى "الأخ" عندما يتحول إلى درعٍ لا سيف. ففي سوريا الجديدة، العلاقة بين الإخوة لا تُبنى على الشكّ والتهديد، بل على الثقة والتكامل.
فضائح آل الأسد.. سنوات من التزييف والقمع
ما بعد السقوط كشفت الفضائح الحقيقية لعائلة الأسد. من تزوير شهادات جامعية لأفراد العائلة، إلى مسرحيات الحصول على "الدكتوراه" و"الهندسة"، مرورًا بمسيرات ترقيات وهمية وامتيازات تقوم على الولاء لا الكفاءة.
رفعت الأسد، عمّ بشار، صنع نظامًا تعليميًا زائفًا لتخريج "أطباء ومهندسين" هم في الحقيقة أدوات أمنية بغطاء علمي، يحملون المسدسات بدل الأقلام، ويعيثون في المشافي كما في السجون فسادًا وقتلًا.
بالمقابل، فإن الفريق المحيط بالرئيس الجديد يبدو مختلفًا تمامًا من حيث الخلفيات والتوجهات، في محاولة للقطع مع النموذج السابق لا توريثه.
غير أن جزءًا من الشارع السوري، المنهك من الصدمات، لا يزال يميل إلى جلد الذات، ويتعامل مع أي مبادرة حكومية بسخرية لا تخلو من الإحباط. ينتقد البعض كل خطوة، ويصفها بالوراثة أو المحاباة، رغم اختلاف الظروف والأشخاص.
وفي وقت تحتاج فيه البلاد إلى العقول والخبرات في الداخل والخارج، يفضل كثيرون البقاء على هامش الفعل، مكتفين بالتعليق والتنظير من وراء الشاشات.