أرض المعاناة.. السودان بين الدمار والنزوح في ظل الحرب المستمرة
شهدت السودان خلال عام ونصف من الحرب المستمرة وضعًا إنسانيًا كارثيًا، حيث أسفرت المعارك عن مقتل حوالي 150 شخصًا وشردت 12 مليون آخرين، وفقًا للتقارير الرسمية. تعتبر هذه الأرقام بمثابة إنذار خطير حول تفاقم الأوضاع، مما جعل الأمم المتحدة تصف هذه الأزمة بأنها "أكبر أزمة نزوح في العالم".
مراسل الإذاعة الوطنية العامة "إن بي آر" قام بجولة في مستشفى النعمان بأم درمان، بالقرب من العاصمة الخرطوم، حيث استعرض التحديات التي تواجه المستشفيات والكوادر الطبية. الدكتور جمال محمد، الذي يعمل في المستشفى، تحدث عن التحديات التي تواجهه، مشيرًا إلى أنه اضطر لمغادرة منزله في العاصمة بسبب القتال، بينما هربت عائلته إلى مصر. ووفقًا له، لم يستلم أي راتب منذ بداية الحرب، بل يعتمد فقط على مساعدات صغيرة.
وكشف الدكتور محمد عن تعرض مستشفى النعمان للقصف خمس مرات على الأقل، مؤكدًا أن المستشفى كان مستهدفًا بشكل متعمد، مما يُعتبر جريمة حرب. في اليوم الذي قام فيه فريق "إن بي آر" بزيارة المستشفى، تعرضت المنطقة المحيطة للقصف من قبل قوات الدعم السريع، وهو ما يزيد من معاناة الطاقم الطبي والمصابين.
يستقبل المستشفى بشكل يومي جثثًا لضحايا مجهولي الهوية، ويعالج العديد من الحالات المصابة ضمن إمكانياته المحدودة. الصور التي تم التقاطها تُظهر الوضع الكارثي في المستشفيات، حيث يعاني الأطباء من نقص حاد في الأدوية والمساعدات، بالإضافة إلى الاكتظاظ وقلة الكادر الطبي المتاح.
قبل الحرب، كان هناك العديد من المراكز الطبية في أم درمان، لكن معظمها اضطرت إلى الإغلاق بسبب نقص الإمدادات أو تدميرها بسبب القتال. حاليًا، لا يوجد سوى سبعة مراكز طبية تعمل في المنطقة، ويُعتبر مستشفى النعمان واحدًا من أكبر هذه المراكز.
في سبتمبر الماضي، حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، من أن الوضع في السودان "يائس"، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي لا يولي الاهتمام الكافي للأزمة الإنسانية هناك. وأوضح أن أكثر من 10 ملايين شخص نزحوا من منازلهم منذ بداية الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، بما في ذلك أكثر من مليوني سوداني لجأوا إلى دول أخرى.
تسليط الضوء على هذه الأوضاع المأساوية في السودان يعكس الحاجة الملحة لتحرك دولي عاجل من أجل تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للأفراد المتضررين، في ظل تدهور الخدمات الطبية وتزايد أعداد الضحايا والمشردين.
جزيرة توتي.. من جنة النيل إلى جحيم الحرب
لطالما كانت جزيرة توتي تُعرف بلقب "درة النيل"، حيث تلتقي مياه النيل الأزرق بالنيل الأبيض في منظر طبيعي خلاب. تغطي الجزيرة، التي تمتد على نحو 990 فدانًا، بساتين فاكهة ولليمون، مما جعلها ملاذًا مثاليًا للسياح ومحبي الطبيعة. تاريخها العريق يمتد لأكثر من سبعة قرون، وكانت دائمًا مقصدًا للزوار الذين يسعون للهرب من صخب المدينة إلى أجواء الهدوء والخضرة.
لكن منذ اندلاع الحرب في السودان قبل أكثر من 16 شهرًا، انقلبت حياة سكان الجزيرة، البالغ عددهم نحو 45 ألفًا، رأسًا على عقب. في الأيام الأولى من النزاع، فرضت قوات الدعم السريع حصارًا خانقًا على الجزيرة، مما أسفر عن توقف الحياة الطبيعية التي اعتادوا عليها. كانت التكايا، التي لطالما وفرت الطعام لسكان الجزيرة، مهددة بالإغلاق بسبب نهب المتاجر وترويع التجار.
توقفت الكهرباء منذ يوليو 2023، مما زاد من قسوة الظروف المعيشية، إذ بات السكان يعيشون في ظلام دامس، غير قادرين على التواصل مع العالم الخارجي أو الحصول على احتياجاتهم الأساسية.
ومع تفاقم الوضع، تفشى وباء الحميات في الجزيرة، مع تسجيل ما بين 5 إلى 10 وفيات يوميًا بسبب نقص الأدوية المنقذة للحياة. القليل من الأطباء المتبقيين يواجهون أزمة طبية خانقة، مما يؤدي إلى وفاة المرضى دون أدنى فرصة للعلاج. في ظل هذا الوضع الكارثي، تُسجل جزيرة توتي، التي كانت يومًا ما رمزًا للجمال والسلام، حكايات من المعاناة والألم في زمن الحرب.