تفتيش الحقائب في مطار بيروت.. بين السيادة اللبنانية ونفوذ القوى الكبرى
لا شك أن أمريكا و إيران تمتلكان نفوذًا قويًا في لبنان، حيث يتجسد هذا النفوذ في دعم مختلف الأطراف اللبنانية التي تحظى بتأييد كل من الدولتين، مما ينعكس في المشهد السياسي الداخلي الذي تهيمن عليه معادلات تاريخية واجتماعية معقدة. وفي هذا السياق، أظهرت حادثة تفتيش حقائب الوفد المرافق لكبير مستشاري المرشد الإيراني، علي لاريجاني، في مطار بيروت في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كيف أن النفوذ الدولي قد يصل إلى مستويات دقيقة وحساسة حتى في أدق الإجراءات الأمنية.
تفتيش حقائب لاريجاني: سيادة أم تصعيد؟
كان لاريجاني قد وصل إلى لبنان في زيارة رسمية التقى خلالها بكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالإضافة إلى عدد من القيادات السياسية اللبنانية. وفي تصريح له، شدد لاريجاني على دعم إيران للمقاومة اللبنانية، مؤكداً في الوقت ذاته دعم بلاده لأي قرار يتخذ بتوافق داخلي بين الحكومة اللبنانية والمكونات السياسية الأخرى.
لكن، وعلى خلفية هذه الزيارة، أثارت حادثة تفتيش الحقائب تساؤلات وجدلًا في لبنان. حيث أكدت وسائل الإعلام اللبنانية، بما في ذلك الوكالة الرسمية، أن سلطات أمن المطار قامت بتفتيش الحقائب المرافقة للوفد الإيراني عند وصولهم إلى بيروت. وقد برر العديد من السياسيين والإعلاميين اللبنانيين هذا الإجراء باعتباره تمسكًا بالسيادة اللبنانية وحرصًا على تطبيق القانون، بغض النظر عن هوية الزائر.
ردود فعل في لبنان: صراع الولاءات
لكن الحادثة لم تخلُ من ردود فعل متباينة، فقد ثار غضب أنصار إيران في لبنان، الذين اعتبروا أن تفتيش الوفد الإيراني كان غير مبرر، مشيرين إلى أنه من غير المقبول أن يُعامل وفد من إيران بهذه الطريقة. وتساءلوا، بشكل مستنكر، عن سبب عدم تطبيق نفس الإجراء في حال كان الضيف زائرًا أمريكيًا أو دبلوماسيًا غربيًا.
وفي ذات السياق، سرت الأنباء بسرعة حول زيارة المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوكشتاين إلى لبنان بعد يومين من حادثة تفتيش لاريجاني، وهو ما اعتبره البعض بمثابة رد عملي على الجدل الذي أثير. حيث تم تفتيش حقائب هوكشتاين أيضًا بشكل دقيق وفقًا للإجراءات الأمنية المتبعة في المطار، وهو ما قد يُنظر إليه على أنه تأكيد على أن الولايات المتحدة، شأنها شأن إيران، خاضعة لنفس القوانين والإجراءات الأمنية في لبنان.
هوكشتاين: جهود أمريكية لوقف إطلاق النار في لبنان
وصل هوكشتاين إلى بيروت في إطار مهمة أمريكية تهدف إلى التوسط في وقف إطلاق النار في لبنان، بعد أسابيع من الحوار بين القوى السياسية اللبنانية. وقد التقى هوكشتاين مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يُعتبر المفاوض الرئيسي لحزب الله في هذه المباحثات. وقال هوكشتاين في تصريحات صحفية إن الولايات المتحدة مستمرة في سد "الثغرات" الموجودة في الحوارات الجارية، معربًا عن أمله في التوصل إلى قرار حاسم في الأيام المقبلة.
ويُظهر هذا التفاعل بين أمريكا وإيران في لبنان كيف أن كل دولة تُسعى إلى تعزيز نفوذها من خلال التفاعل مع الحلفاء المحليين، بينما تظل المواقف السياسية والدبلوماسية تتسم بالتعقيد بين الولاءات المتعارضة، حيث يتخذ كل طرف من هذه الحوادث كفرصة لتعزيز موقعه الاستراتيجي في المعادلة اللبنانية.
تعد حادثة تفتيش حقائب الوفد الإيراني والمبعوث الأمريكي في مطار بيروت تجسيدًا حيًا لتأثيرات النفوذ الدولي في لبنان، حيث تلتقي أو تتصادم الولاءات السياسية وفقًا للظروف المحلية والإقليمية. وبينما يرى البعض في التفتيش إجراءً روتينيًا يعكس السيادة اللبنانية، يُنظر إليه آخرون كرسالة سياسية تتعلق بتوازن القوى بين إيران و الولايات المتحدة في المنطقة.