بين مطرقة الدبلوماسية وسندان السياسة.. أمريكا في دوامة الشرق الأوسط
لطالما بدت الولايات المتحدة وكأنها تتعقب سرابًا في محاولاتها للتوصل إلى حل شامل في قطاع غزة، حيث كان هدفها ينحصر بين التفاوض بشأن صفقة الرهائن وإنهاء معاناة المدنيين ووقف الحرب. ومع ذلك، يبدو أن تلك الأهداف لم تكن أبعد من مجرد محاولة للحل دون تقدم ملموس، حسب تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
تشير الشبكة إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن نادراً ما كانت على مسافة أبعد من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر الماضي، وما تلاه من تصعيد عسكري إسرائيلي وحشي ضد غزة. وعلى الرغم من إعلان واشنطن بأن اتفاق وقف إطلاق النار بات قريبًا جدًا من الاكتمال بفضل الدبلوماسية المشتركة مع قطر ومصر، إلا أن نتنياهو ينفي قرب التوصل إلى مثل هذا الاتفاق.
وحسب "سي إن إن"، فإن الدوافع التي جعلت إدارة بايدن تتعثر في هذه الدائرة المفرغة من الفشل لم تتغير، مما يعني أن واشنطن لن تتخلى عن جهودها. يتعرض بايدن لضغوط متزايدة لتأمين الإفراج عن الأمريكيين الذين يُعتقد أنهم محتجزون في غزة، خاصة بعد مقتل هيرش غولدبرغ بولين، المواطن الأمريكي الإسرائيلي من بين 6 رهائن عُثر على جثثهم في أحد أنفاق غزة يوم الأحد الماضي.
كما أن إدارة بايدن تسعى جاهدة لاحتواء الصراع الإقليمي ومنع انتشاره، مما يجعل إنهاء الحرب أمرًا ضروريًا أيضًا. وللبيت الأبيض مصالح سياسية وإنسانية في إنهاء معاناة المدنيين الفلسطينيين، حيث أن الغضب الذي يتسبب به هذا الصراع، خاصة بين التقدميين والناخبين الأمريكيين العرب، قد يؤثر على آمال نائبة الرئيس كامالا هاريس في انتخابات ولاية ميشيغان المتأرجحة.
وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى أن قرار بايدن بإيقاف حملته الانتخابية منح أزمة الشرق الأوسط بُعدًا شخصيًا بالنسبة له، حيث يواجه احتمال تسليم إرث فشل إلى خليفته إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قريبًا. وقد ذكر أحد كبار الديمقراطيين المقربين من البيت الأبيض لشبكة "سي إن إن" أن بايدن زاد من تركيزه على قضية الشرق الأوسط بعد توقف حملته، وأصبح "مهووسًا" بهذه القضية.
ورغم إحباطه، لم يلجأ البيت الأبيض بعد إلى كل النفوذ الممكن على نتنياهو، ومن غير المرجح أن يفعل ذلك. بايدن، المعروف بدعمه القوي لإسرائيل، لم يكن حتى الآن على استعداد للاستجابة لمطالب التقدميين بتقييد مبيعات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل لفرض ضغوط على نتنياهو.
في المقابل، يستمر نتنياهو في التمسك بموقفه بعدم التوصل إلى صفقة، مشيرًا إلى ضرورة بقاء قواته في محور فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر، والذي يعتبره حاسمًا لوقف إمدادات الأسلحة إلى حماس. ويرى نتنياهو الحرب ضد حماس كجزء من صراع أوسع ضد إيران ووكلائها، مما يجعله يتعامل مع الأزمة على مستوى أكبر من مجرد التفاوض مع حماس.
وفي ظل الضغوط السياسية الكبيرة التي يتعرض لها نتنياهو من عائلات الرهائن الإسرائيليين والمظاهرات المتزايدة في الشوارع، إلا أن معارضته لم تصل بعد إلى الكتلة الحرجة التي يمكن أن تطيح به. يعتقد بعض المحللين أن نتنياهو قد يفضل استمرار الحرب لتأجيل التحقيقات في الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل، حيث سيكون معرضًا أكثر لتهم الفساد والمحاكمات إذا ما خرج من منصبه.
في إسرائيل، لا يزال نتنياهو يتمتع بدعمه في ائتلافه الحكومي اليميني الأكثر تشددًا في تاريخ البلاد، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت إدارة بايدن قد قدرت بشكل صحيح احتمالات بقائه وما هو واقعي سياسيًا. وفقًا لآرون ديفيد ميلر، المفاوض الأمريكي السابق للسلام في الشرق الأوسط، فإن الرقم الحاسم بالنسبة لنتنياهو ليس عدد المحتجين في الشوارع بل 64، في إشارة إلى عدد المقاعد التي يسيطر عليها ائتلافه في الكنيست.