أصوات الصمت في قلب النزاع.. حياة اللبنانيين تحت وطأة تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل
تستمر المخاوف من نشوب "حرب شاملة" بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في الهيمنة على أذهان اللبنانيين، مع تصاعد التوترات بين الجانبين منذ الثامن من أكتوبر الماضي.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن كل من إسرائيل وحزب الله يؤكدان عدم رغبتهم في خوض حرب واسعة النطاق، لكنهما في ذات الوقت جاهزان لها. وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المبذولة للحد من العنف على طول الحدود، فإن حزب الله أكد استمراره في استهداف إسرائيل طالما استمرت الحرب في قطاع غزة.
ورغم أن عدد النازحين من القرى والبلدات في جنوب لبنان يفوق عدد النازحين من شمال إسرائيل، فإن معاناتهم لم تتحول إلى قضية سياسية. ويُعزى ذلك جزئيًا إلى ضعف الحكومة اللبنانية التي تفتقر إلى القدرة على تقديم المساعدة، بالإضافة إلى دعم العديد من النازحين لحزب الله، الذي قام بتوزيع المساعدات والمنح النقدية عليهم، وفقًا للصحيفة.
في بلدة بنت جبيل التي تبدو مهجورة، قالت المحاسبة أسماء علوية، التي حضرت جنازة أحد السكان، إن "الحياة أصبحت صعبة" بعد أشهر من الاشتباكات، حيث اضطر طفلاها لترك المدرسة، فيما لم يتمكن زوجها السباك من العثور على عمل بعد نزوحهم. وأضافت علوية (32 عامًا): "لا توجد خطة. ليس لدينا أي فكرة عما يجب أن نستعد له، لأننا لا نعرف ما الذي سيحدث".
من جانبها، أوضحت ديانا أبي راشد (60 عامًا) أن أولادها الثلاثة، الذين كانوا في زيارة للبنان، يحاولون العودة إلى أماكن إقامتهم في الخارج. وقالت إحدى بنات أبي راشد إنها قررت البقاء مع والدتها "المسنة" لأنها لن تكون قادرة على تركها وحدها في مثل هذه الظروف، مضيفة: "ليس قرارًا سهلاً. سأبقى وأختار الزاوية الأكثر أمانًا في المنزل".
أما بلدة رميش ذات الأغلبية المسيحية، فتتمتع بقدر من الهدوء النسبي مقارنة بالقرى ذات الأغلبية الشيعية التي تتعرض للقصف. في تلك البلدة، كان الناس يتجولون في الشوارع، والمتاجر مفتوحة بما في ذلك صالون تصفيف الشعر، حيث قامت ريبيكا نصر الله (22 عامًا) بتصفيف شعرها استعدادًا لحفل زفاف شقيقها. وقالت نصر الله إن عائلتها فكرت في تأجيل الحفل، لكنهم قرروا المضي قدمًا لأن "نهاية الحرب ليست وشيكة"، مضيفة: "لا ينبغي أن تتوقف الحياة من أجل حزب الله وحربه".
وفي ذات السياق، أشار الكاهن المسيحي في البلدة، الأب طوني إلياس، إلى أن أكثر من نصف سكان البلدة البالغ عددهم 11 ألف نسمة قد بقوا في منازلهم. وأضاف إلياس أن الحرب "استنزفت الاقتصاد المحلي"، حيث توقف المزارعون عن الذهاب إلى أراضيهم وتضرر محصول الزيتون في العام الماضي. وأوضح أن السكان "كانوا على وفاق بشكل عام مع جيرانهم في القرى ذات الأغلبية الشيعية"، مشيرًا إلى أنهم لم يُستشاروا بشأن الحرب.
على أطراف البلدة، كانت تيريز الحاج (61 عامًا) تتحدث مع بناتها الأربع وأحفادهن عن القرى المجاورة التي أصبحت خالية وتحتاج إلى إعادة إعمار. ورغم أنها تعتبر إسرائيل "عدوًا"، فإنها تعارض اشتراك حزب الله في الحرب، قائلة: "ليس لدينا أي روابط مع غزة، فلماذا يتم جرنا إلى مثل هذه المعارك؟"
من جهة أخرى، قال محمود رسلان (51 عامًا)، الذي يقيم مع عائلته في فندق مهجور تحول إلى مأوى جنوب شرق صيدا، إن الوضع "أصبح خارج أيدينا". كان رسلان، الذي كان يعمل كسائق حفارات في قرية عدسية مرجعيون الحدودية، قد نزح أربع مرات قبل أن يستقر في الفندق. وتقاسم رسلان غرفة واحدة مع زوجته وابنه وابنته المراهقين، حيث كانوا يعدون وجبات بسيطة على موقد غاز في الشرفة. وأشار إلى أن حالته قد تدهورت منذ آخر مرة زار فيها قريته قبل أربعة أشهر، حيث وجد أن الانفجارات قد دمرت أبواب ونوافذ منزله. وأضاف: "لا نعلم أين سنذهب لاحقًا، وما الذي ينتظرنا، ومتى سنعود.. ليس هناك أي أفق".