خارطة فرنسا تتسع للصحراء المغربية.. خطوة تاريخية ترسم ملامح شراكة جديدة
قامت وزارة الخارجية الفرنسية بخطوة تاريخية أثارت اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية، إذ قامت بتعديل خريطة المملكة المغربية على موقعها الإلكتروني الرسمي، واعتمادها بشكل كامل بما في ذلك الأقاليم الجنوبية التي تشمل الصحراء المغربية. جاء هذا القرار في إطار زيارة رسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة المغربية، في خطوة تعبّر عن تجديد فرنسا دعمها للسيادة المغربية على كامل ترابها الوطني.
وخلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيره المغربي ناصر بوريطة، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو عن القرار، مؤكداً أن خريطة المغرب على الموقع الإلكتروني لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية تم تحديثها بالفعل لتشمل الصحراء المغربية، وذلك قبل ساعة واحدة فقط من المؤتمر. وقال بارو: "دعمنا هذه الأقوال بالأفعال، وتعمل شركاتنا ومؤسساتنا على تطوير هذه المناطق من خلال استثمارات ومبادرات مستدامة تهدف إلى خدمة السكان المحليين".
وأكد بارو على أهمية المرحلة الجديدة التي بدأتها باريس والرباط، واصفاً إياها بمرحلة "تاريخية" تخدم المصالح المشتركة للشعبين المغربي والفرنسي. وأشار إلى أن العلاقات الثنائية بين البلدين ستشهد تحولات إيجابية تنعكس على المنطقة بأكملها، منوهاً بالدور الذي تلعبه فرنسا كداعم قوي في مجلس الأمن الدولي، الذي يُنتظر إصداره قراراً جديداً بشأن ملف الصحراء المغربية في الفترة المقبلة.
كما أشار بارو إلى توسيع نشاطات المصالح القنصلية الفرنسية في المغرب لتشمل الأقاليم الجنوبية، رغم عدم الإعلان عن نية فتح قنصلية فرنسية في هذه المناطق، على غرار الخطوات التي قامت بها العديد من الدول الأخرى. وشدد الوزير الفرنسي على عمق العلاقات التاريخية بين المغرب وفرنسا، وقال: "إن القارة الإفريقية كانت دائماً بوابة طبيعية للمغرب نحو فرنسا وأوروبا"، معتبراً أن التعاون الثنائي بين البلدين يلعب دوراً مهماً في استقرار وازدهار المنطقة.
وتوقف بارو عند حدث تاريخي مشترك بين البلدين، مشيراً إلى الذكرى الثمانين لإنزال بروفانس الذي شارك فيه 73 ألف جندي مغربي إلى جانب قوات الحلفاء لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي، قائلاً: "هذا العام 2024 يحمل ذكرى عزيزة على قلوبنا، ذكرى تضحيات الجنود المغاربة الذين ساهموا في تحرير أرضنا".
وفي سياق التغيرات التي أدخلتها فرنسا في سياساتها تجاه القارة الإفريقية، أشار بارو إلى أن هناك تجديداً عميقاً في النهج الفرنسي في القارة، خاصةً وأن إفريقيا تشكل جزءاً كبيراً من مستقبل فرنسا وشركائها. وأضاف أن هذا المستقبل المشترك يتطلب تكثيف الجهود والعمل المشترك لدفع عجلة التقدم والتنمية لصالح شعوب القارة.
من جانبه، أعرب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة عن ترحيب المغرب بالخطوة الفرنسية التي تجسد دعم باريس للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، مؤكداً أن ذلك يعكس الالتزام الذي سبق وأعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذا الصدد. وأوضح بوريطة أن قرار فرنسا يعكس تطوراً نوعياً في موقفها الدبلوماسي، ويعبر عن مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية تركز على التعاون الاستراتيجي الشامل.
وأكد بوريطة أن الإعلان الفرنسي لا يعبر فقط عن موقف سياسي، بل يأتي في إطار خطوات تنفيذية تعكس جدية باريس في موقفها من قضية الصحراء المغربية، مشيراً إلى أن ذلك جزء من الحوار الدائم بين الملك محمد السادس والرئيس ماكرون حول هذه القضية، وفي إطار أوسع يشمل الدينامية الإيجابية التي تعرفها قضية الصحراء المغربية في السنوات الأخيرة.
وأشار الوزير المغربي إلى أن زيارة الرئيس الفرنسي وما يرافقها من برامج وأهداف تعتبر صفحة جديدة في علاقات التعاون بين البلدين. وتابع قائلاً: "إن فرنسا فاعل مهم في مجلس الأمن، ودعمها يعتبر وثيقة مرجعية في تعزيز الموقف الدولي لصالح السيادة المغربية".
الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي ماكرون، والتي انطلقت منذ يوم الاثنين الماضي، تكتسي طابعاً تاريخياً، نظراً لما تتضمنه من برامج ومشروعات مستقبلية يُتوقع أن تكون نقطة تحول جوهرية في العلاقات الثنائية. يرافق ماكرون في هذه الزيارة وفد كبير يضم حوالي تسعة وزراء من بينهم وزير الداخلية برونو ريتايو، إلى جانب مجموعة من كبار رجال الأعمال الفرنسيين وشخصيات بارزة من المجالات الفنية والثقافية والرياضية.
ولأن هذه الزيارة تأتي بعد ثلاثة أشهر من إعلان فرنسا دعمها التاريخي لسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية، يرى الخبير في العلاقات الدولية المعاصرة محمد بودن أن الزيارة ستكون "نقطة تحول محورية وحاسمة" في العلاقات بين البلدين لعدة عقود قادمة. وأكد بودن أن هذه الزيارة تجسد التزاماً فرنسياً بدعم المصالح الحيوية والمشتركة للمغرب وفرنسا، وتُعزز من التعاون في المجالات الاقتصادية والاستراتيجية، مشيراً إلى أن هذه الزيارة تعكس موقف باريس الثابت والداعم للمغرب في ملف الصحراء، مما يعطي زخماً إضافياً للعلاقات الدبل
وماسية بين البلدين.