الجزيرة السودانية بين أنياب الانتقام.. مجازر وتهجير في صراع بلا هوادة
في تصعيد خطير للصراع المسلح الدائر في السودان، شنت قوات "الدعم السريع" خلال الأسبوع الماضي حملات عسكرية وصفت بالانتقامية ضد مناطق شرق وغرب ولاية الجزيرة، وذلك في أعقاب انشقاق قائدها الإقليمي أبو عاقلة كيكل وانضمامه إلى الجيش السوداني. هذه الحملات خلفت مشاهد مروعة، حيث لقي المئات مصرعهم وأصيب آخرون، فيما اضطر آلاف المدنيين للنزوح تحت وطأة العنف المتصاعد، ووسط تقارير تتحدث عن تهجير قسري واغتصاب ونهب على نطاق واسع.
مجازر دموية تهز الجزيرة
أشارت تقارير ميدانية إلى أن قوات "الدعم السريع" استهدفت أكثر من 30 قرية في الجزيرة بعنف غير مسبوق. وأكدت مصادر محلية أن عدد القتلى تجاوز 460 شخصاً بينهم نساء وأطفال وشيوخ، إضافة إلى مئات الجرحى، في تصفيات عشوائية جرت بأسلحة خفيفة وثقيلة. وفي مدينة تمبول وحدها، قُتل ما يقارب 300 شخص، فيما غصت الشوارع بالجثث، مما جعل من المستحيل إجراء حصر دقيق للضحايا، وسط استمرار الاعتداءات على سكان القرى وعمليات اختطاف الفتيات وممارسات العنف الجنسي.
إدانات واحتجاجات واسعة
أثار حجم المجازر والانتهاكات التي ارتكبتها قوات "الدعم السريع" في الجزيرة، موجة من الاستياء الشعبي والتنديد الرسمي من قبل معظم القوى السياسية والمدنية، إذ أدانت الحكومة السودانية وكيانات أهلية كبرى، خاصة من قبائل دارفور، هذه الأفعال البشعة. وطالبت الحكومة السودانية المجتمع الدولي باتخاذ موقف حاسم لإدانة تلك الجرائم ومحاسبة مرتكبيها، ووصفت وزارة الخارجية السودانية هذه الهجمات بأنها تطهير عرقي وإبادة جماعية.
البرهان يتوعد وقادة ينسحبون
من جانبه، أكد الفريق أول عبد الفتاح البرهان، القائد العام للجيش السوداني، أن "كلما تمادت ميليشيات آل دقلو في قتل الأبرياء، ازدادت عزيمة الشعب السوداني على مقاومتهم"، متوعداً بأن الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها تلك الميليشيات لن تمر دون عقاب. أما من داخل صفوف "الدعم السريع"، فقد أعلن عبد القادر إبراهيم علي، مستشار قائد القوات ومسؤول ملف شرق السودان، انسحابه إلى جانب قيادات أخرى من المجلس الاستشاري للميليشيات، داعياً إلى وحدة الشعب السوداني ومعلناً رفضه للانتهاكات.
المجتمع الدولي في مرمى الانتقادات
في ضوء التدهور الحاد في الأوضاع الإنسانية، تقدمت بعثة السودان الدائمة لدى الأمم المتحدة بجنيف بمذكرة احتجاج شديدة اللهجة إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان، منددةً بصمت المجتمع الدولي أمام انتهاكات "الدعم السريع" ضد المدنيين في الجزيرة. واتهمت الحكومة السودانية الأمم المتحدة وآليات حقوق الإنسان الدولية بالتقاعس، ما شجع القوات المتمردة على ارتكاب المزيد من الفظائع ضد السكان العزل.
نحو حرب أهلية؟
يعتبر مراقبون أن هذا التصعيد الدموي ينذر بدخول السودان في دوامة من الثارات القبلية والعنف القائم على الهوية. ويرى أستاذ العلوم السياسية عبد المجيد الزاكي أن التحشيد الجهوي والعرقي يزيد من خطر انزلاق البلاد إلى حرب أهلية طويلة الأمد، ويعزز اصطفافاً إثنياً وعرقياً خطيراً.
أزمة إنسانية غير مسبوقة
مع استمرار الاشتباكات، حذرت شبكة "أطباء السودان" من تدهور الأوضاع الإنسانية جراء النزوح المتزايد وارتفاع أعداد القتلى والمصابين، حيث يعيش آلاف النازحين ظروفاً قاسية بحثاً عن ملاذات آمنة، وسط نقص حاد في المساعدات الإنسانية. ووفقاً لمصادر محلية، فإن ما لا يقل عن 10 آلاف شخص نزحوا سيراً على الأقدام من منطقة الفاو هرباً من العنف المتزايد، فيما تتفاقم أزمة حقوق الإنسان مع تصاعد وتيرة الانتهاكات المسلحة.
تعد هذه الأحداث تطوراً خطيراً في الصراع السوداني المتصاعد منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع" في أبريل 2023، والتي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين وشردت الملايين، لتصبح إحدى أسوأ أزمات النزوح العالمي في العصر الحديث.