اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي
كيف نميز بين وسوسة الشيطان ودعوة النفس؟.. الدكتور علي جمعة يوضح مفتي الديار المصرية: تجديد الخطاب الديني هدفه استيعاب الواقع المتجدد برؤية حكيمة مدير الجامع الأزهر: الإسلام يدعو إلى الأمن والأمان والتمسك بالأحكام لتحقيق سعادة البشرية مفتي الديار المصرية لوفد برنامج الأغذية العالمي: مستعدون للتعاون في كل ما ينفع البشرية أمين ”البحوث الإسلامية”: الشريعة حرصت على البناء المثالي للأسرة بأسس اجتماعية سليمة بالقرآن والسنة.. الدكتور علي جمعة يكشف حكم زواج المسلمة من غير المسلم أمين مساعد البحوث الإسلامية: التدين ليس عبادة بالمساجد بل إصلاح وعمارة الكون الأوقاف المصرية: إيفاد سبعة أئمة إلى “تنزانيا والسنغال والبرازيل” «الإسلام وعصمة الدماء».. الجامع الأزهر يحذر من استباحة دماء المسلمين الأوقاف المصرية تعلن موضوع خطبة الجمعة القادمة.. ”أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ” حكم عسكري في غزة.. بين استراتيجيات الماضي ومخاطر المستقبل هل تصب تهديدات بوتين النووية في مصلحة ترامب؟

كنوز النيجر المخفية.. مسجد ياما جوهرة العمارة الإسلامية من الطين

مسجد ياما في النيجر
مسجد ياما في النيجر

يشكل جامع ياما حجر الزاوية للحياة في هذه القرية الساحلية بالنيجر. تقع القرية على أرض منبسطة تميل بشكل طفيف نحو الشمال، حيث يمتد وادٍ خصب نسبيًا. وتتميز القرية بمنازلها المبنية بالكامل من الطوب النيء. يحيط بالجامع سور منخفض، يمثل في الماضي الحد الشرقي للقرية، لكن مع توسع القرية، أصبح الجامع الآن أقرب إلى مركزها.

قبل عام 1962، كانت قرية ياما تفتقر إلى مسجد جامع، حيث كانت تعتمد على مساجد صغيرة متفرقة. لكنّ رغبة أهالي القرية في مكان موحد للعبادة دفعت شيوخ القرية إلى اتخاذ قرار ببناء مسجد جامع. اتجهت الأنظار إلى (فالكة بارمو)، البناء المعماري المحلي، ليتولى مسؤولية تنفيذ هذا المشروع الجماعي.

اجتمع شيوخ القرية مع (فالكة بارمو) لتحديد متطلبات المسجد. تم الاتفاق على إنشاء قاعة مستطيلة للصلاة، تُغطى بسقف مدعوم بأعمدة، مع التركيز على بساطة التصميم لضمان إتمام البناء خلال فصل الجفاف القادم (1962-1963).

تحول بناء المسجد إلى مشروع جماعي شارك فيه جميع أفراد المجتمع القادرين. تعاون الجميع في جلب المواد اللازمة، مثل الطوب والخشب، ومساعدة (فالكة بارمو) في أعمال البناء. تجسد روح التعاون والتكاتف بين أهالي القرية في رغبتهم المشتركة في إنجاز هذا المعلم الديني المهم.

تم استخدام تقنيات بناء بسيطة تضمنت الطوب اللبن، وهو نوع من الطوب المصنوع من الطين والقش، وجذوع النخيل لتغطية السقف. عكست هذه التقنيات بساطة التصميم واعتمادها على المواد المتوفرة محليًا، مما ساهم في تسريع عملية البناء وتخفيض التكلفة.

لم يقتصر دور مسجد ياما على كونه مكانًا للعبادة فحسب، بل تحول إلى رمز ثقافي هام للقرية. يجمع المسجد بين التاريخ والتراث المحلي، ويجسد روح التعاون والتكاتف بين أهالي القرية. يُعد المسجد بمثابة شاهد على إبداعهم وقدرتهم على تحقيق إنجازات عظيمة من خلال العمل الجماعي.

ولقد مر المسجد بعمليات تطوير مستمرة منذ إنشائه تحت إشراف مصممه، فالكة بارمو، وخاصة بعد اطلاعه على نماذج معمارية شتى أثناء تنقلاته كان لها أثرها في الشكل النهائي الذي اتخذه مسجد ياما. ففي سنة 1975 م أصلح بارمو البناء الأصلي فزوده بسقف جديد يقوم على عقود، وأضاف القبة المركزية وسط صفوف الأعمدة، وهي ظاهرة ملفتة في مثل هذه النوعية من المساجد. وكانت الخطوة التالية في تعديل بناء المسجد إضافة أربعة أبراج عند أركانه تضم أروقة على طابقين في الفترة ما بين 1978 - 1982 م. ومن أبرز عناصر مسجد ياما الأبراج في أركانه الأربعة، حيث يأخذ كل برج شكل خاص ينفرد به عبارة جدران سميكة من أسفل تستدق بالتدريج مع الارتفاع ويعلوها عنصر تشكيلي أخف وزناً. وهذه الأبراج شبيهة بالمآذن المدرجة المنتشرة في هذه المنطقة ولكنها تظل فريدة في تعبيرها الشكلي وتظهر بعض الزخارف المتواضعة في أجزاء أخرى من المسجد، مثل الأشرطة الشبيهة بالأفاريز التي نراها في الواجهة على ارتفاعات غير منتظمة. وتزين الدراوي شرفات على شكل أنصاف دوائر، وقد زود المحراب أخيراً ببنية فوقه على شكل تاج.

ويتميز بناء مسجد ياما باستخدامه المبتكر للتقنيات والمواد التقليدية، فقد استعاض المعماري عن السقف التقليدي بنظام من العقود المصنوعة من حزم العصي التي تثنى لتأخذ شكل العقد ثم تدفن في الأعمدة. وقد اتبع نفس الأسلوب في بناء القبة باستخدام عدد من العقود المتقاطعة. أما الجدران والأعمدة فمبنية من الطوب النيء بعد تجفيفه في الشمس وإضافة التبن إلى الطين لحمايته من التشقق. كما استخدمت أنواع مختلفة من الأخشاب ومونة الطين وحدها أو مضافاً إليها الأسمنت وطبقة من الجير. واضطلع بارمو بالعمل يعاونه ثلاثة من البنائين وعدد من القرويين الذين قاموا بالأعمال التي لا تتطلب مهارة خاصة. وتولى مجتمع القرية تمويل المشروع وتنفيذ جميع أعمال البناء بالطريقة المتبعة في المشروعات الجماعية، إذ ساهم فيه كل عضو من أعضاء المجتمع في حدود قدراته ولا تزال عملية البناء مستمرة ولا يزال أهل القرية نشطين في أعمال البناء والصيانة، التي تعد عملية مستمرة بالنسبة للمباني المبنية من الطين.

وقد أشادت هيئة التحكيم العليا لجائزة الأغاخان في تقريرها بالمسجد باعتباره مثلاً حياً لمشروع معماري كامل متكامل يعبر تعبيراً صادقاً عن إيمان المجتمع المحلي وتفانيه في الإسلام.